قوات الدعم السريع تتجاهل التحذيرات.. ما الأهمية الاستراتيجية لسيطرتها على شرق مدني؟
مواطنون
بالرغم من التحذيرات والضغوط على قيادة الدعم السريع بعد توسيع رقعة الحرب والحد من تمددها، إلا أنها بسطت سيطرتها أمي، على مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة. فبعد معارك ومناوشات استمرت منذ السبت الماضي، اجتازت قوات الدعم السريع كبري حنتوب الرابط بين شرق المدينة وغربها.
وقالت منظمة الهجرة الدولية إن نحو 300 ألف مواطن نزحوا من مدني خلال الأربعة أيام المنصرمة، بينما يعاني كثير من مرضى السرطان والقلب والفشل الكلوي من غياب الرعاية الصحية بسبب تأثير المعارك.
تحذيرات من توسع الحرب
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية ومنظمة الأمم المتحدة قد حذرتا قوات الدعم السريع من مغبة اجتياح ود مدني باعتبارها أصبحت مركزاً للنازحين من حرب الخرطوم، وفيها أكبر مراكز العلاج والرعاية الصحية والخدمات الإنسانية، وما سيحدثة تمدد الحرب في ولاية الجزيرة من آثار كارثية على المدنيين.
وحثت واشنطن، عبر بيان لسفارتها في الخرطوم اليوم، دعوتها للجيش السوداني وقوات الدعم السريع على إنهاء القتال والسماح بوصول المساعدات الإنسانية والاضطلاع بواجباتهما وفقاً للقانون الدولي الإنساني واحترام حقوق الإنسان.
ودعا رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، موسى فكي، اليوم الثلاثاء، الأطراف المتحاربة في السودان إلى وقف القتال على الفور والمشاركة في مفاوضات سلام.
وأعرب فكي، في بيان، عن قلقه إزاء تدهور الوضع الأمني في السودان بعد امتداد القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى مدينة ومدني بولاية الجزيرة وسط البلاد، وتجدد الهجمات على مخيم أبو شوك للنازحين في شمال دارفور.
واعتبر أن الهجمات على المخيم الذي يقيم فيه النازحون بدارفور منذ 20 عاما فتحت جراحا قديمة، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن الهجمات في مدينة ود مدني فتحت جبهة جديدة. ودعا الجيش وقوات الدعم السريع إلى وقف القتال على الفور والمشاركة في مفاوضات سلام، مؤكدا استعداد الاتحاد الإفريقي للعمل مع كل الاطراف لإنهاء الصراع بالسودان.
من جهتها، حذرت تنسيقية وحدة القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) من تمدد دائرة الحرب واستمرارها بشكل يفاقم معاناة السودانيين ويقود لتفتيت السودان.
وقالت عضوة المكتب التنفيذي لـ(تقدم)، رشا عوض، في مستهل أعمال اجتماعات المكتب التنفيذي للتنسيقية المنعقد في مدينة نيروبي، "لن يكون هناك نصر عسكري حاسم لاي طرف واستمرار الحرب معناه مفاقمة الكارثة الانسانية وتمددها الى المناطق الامنة"، مشيرة إلى أن الهدف الاساسي للحرب هو اجهاض ثورة ديسمبر وإعادة الشعب لسيطرة العسكر، مضيفة: "الاستبداد العائد سيكون أكثر ضراوة من الاستبداد البائد".
ونبهت ممثلة المكتب التنفيذي في الاجتماع إلى أن أطراف الصراع أثبتت بأنها غير مسئولة في ظل الانتهاكات الكبيرة التي طالت المدنيين، وإنها لم تلتزم بأي تعهد من تعهداتها في منبر جدة بحماية المدنيين.
وأكدت رشا عوض على أن المدخل المفتاحي لهزيمة خطاب الحرب والحفاظ علي وحدة السودان وتحقيق السلام المستدام هو وحدة القوى الديمقراطية، في منصة تمثل التنوع السوداني وآماله في ايقاف الحرب وتحقيق أهداف ثورة ديسمبر، الأمر الذي يتطلب وجود حامل مؤسسي لمشروع السلام والتحول الديمقراطي في السودان.
الأهمية الاستراتيجية لشرق مدني
يبدو أن قوات الدعم السريع كانت تخطط منذ وقت مبكر على منطقة شرق مدني والبطانة عموماً. وتمثل هذه المنطقة أهمية استراتيجية لتحرك قواتها وتحكمها في مناطق وسط السودان وشرقه. فالطريق الذي سلكه الدعم السريع من شرق الخرطوم إلى ود مدني٠ ماراً بمنطقة ود حسونه حتي شرق تمبول، هو جزء من طريق تاريخي كان يربط مناجم فازوغلي بمملكة مروي.
وقبل انشاء طرق الأسفلت كان هو الطريق التجاري الذي يربط بين القضارف ونهر النيل شندي وما بعده، كما إنه يربط مناطق شرق النيل الأزرق وكسلا عبر طريق يمر بمناطق الصباغ وخور جراد ينتهي في حلفا الجديدة.
من قرية أم شانق حاج إبراهيم هناك طريق ترابي يعرفه أصحاب اللواري والمهربون، وأم شانق تقع علي بعد 25 كيلو متر شمال شرق مدني.
يمكن عبر هذا الطريق الوصول من مدني إلى القضارف في نحو ساعة ونصف فقط. ومن نفس هذه النقطة يمكن الوصول إلى شندي في ساعتين ونصف دون أن يعترض العابرين أي وجود عسكري وأمني. ومن نقطة الطندب، 30 كيلو شرق تمبول، يمكن الوصول إلى حلفا خلال ساعة واحدة، وساعة ونصف إلى كسلا.
بهذا الاستعراض تظهر أهمية هذا الطريق الذي لا يعرفه إلا قدامى سائقي اللواري المهربين. وذات الطريق يمكن، عبر شرق النيل الازرق، الوصول إلى سنار والدمازين.
السيطرة علي طريق بهذه الأهمية يجعل من السهولة على قوات الدعم السريع تحقيق قفزات إلى المدن المذكورة، بل إنها تستطيع قطع طريق بورتسودان. إضافة إلى أن هذا الانتشار يفتح لها أبواب لخطوط إمداد من دولة إرتريا، عقبته الوحيدة كبري البطانة علي نهر عطبرة والذي يقع في منطقة سيطرة الفرقة الثالثة في خشم القربة او عبر الزيرو عند نهاية غابة الفيل شرق القضارف ومنها الي جسرين علي نهري ستيت وعطبرة. وفي حال عبورهما ينفتح أمامها الفضاء إلى إرتريا أو إثيوبيا في اقليم تقراي.
أما الامتداد نحو سنار يفتح بابا لخط إمداد من إثيوبيا سواء عبر حدودها مع ولاية سنار أو ولاية النيل الأزرق. وفوق كل هذا الطريق يجعل قوات الدعم السريع تسيطر على منطقة تنشط فيها تجارة السلاح، ومعروفة بالذين يستثمرون في هذه التجارة في حال أضطر للتعامل مع هذه الفئة.
تعديل موازين القوى
يقول الكاتب عبدالله رزق أبوسيمازه إن ما حدث في مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، عصر يوم امس الاثنين، 18 ديسمبر 2023، حيث انسحبت الفرقة الأولى واللواء الأول من موقعيهما، داخل المدينة وشرقها، في حنتوب، ومن ثم دخول قوات الدعم السريع اليها، دون قتال، تقريبا،، وبعيدا عن التخوين، الذي يلجأ له البعض لتفسير بعض التطورات غير المواتية، يمكن النظر إليه في إطار ما يتراءى كاستراتيجية جديدة للقوات المسلحة، منذ نهاية أكتوبر الماضي، بتفادي المواجهات المباشرة مع قوات الدعم السريع، وفق مقتضى الضرورات الميدانية.
وأضاف لـ"مواطنون" إن هذا التكتيك، وفي إطار تمسك القيادة العسكرية بخيار الحسم العسكري، لم يبدأ بالانسحاب من مدني، وقد لا ينتهي بها. فقد برز هذا التكتيك، عند انسحاب القوات المسلحة من زالنجي، بوسط دارفور، حوالى 31 اكتوبر 2023، ثم في ام كدادة بشمال دارفور، في 8 نوفمبر، وفي الضعين، بشرق دارفور، في 21 نوفمبر من العام الحالي.
"وهو تكتيك ينطوي على تراجع عن خيار الحسم العسكري، الذي ظلت قيادة الجيش تتبناه. وسيفرض هذا الخيار، ومع التوسع الجاري في الإلتجاء اليه، على القيادة إعادة النظر والتفكير في التفاوض كبديل". بحسب رزق.
وقال إن تقدم قوات الدعم السريع باتجاه بقية معسكرات الجيش في بقية المدن والولايات، يعني التوسع في جغرافيا الحرب، وتزايد موجات نزوح المواطنين على المستوى القومي. "فاستيلاء الدعم السريع على ولاية الجزيرة، سيضع العديد من الولايات الاخرى، لا سيما ولايات سنار والنيل الابيض والقضارف وربما نهر النيل، أيضا، ضمن مقدمة الأهداف المحتملة لتقدم الدعم السريع، على إيقاع واقعة مدني، وتبديد الأمان النسبي الذي كانت تتمتع به".
وذهب رزق إلى أن من شأن معطيات معركة مدني، التي انتهت بانسحاب الجيش، انسحابا تكتيكيا أو استراتيجيا، وتداعياتها، أن تحدث تعديلا، أيا كان حجمه، في ميزان القوى على الأرض، ربما تكون له انعكاساته على العملية التفاوضية، التي يستضيفها منبر جدة، منذ حين من الوقت.
وقال "اذا تقدم الدعم السريع، وانطلاقا من مدني، مرورا بالقضارف، باتجاه بورتسودان، فإنه سيقترب، في الواقع، من الحسم العسكري، ما يترتب عليه إجرائيا، إلغاء، أو إقصاء منافسه، كطرف ثان في العملية التفاوضية، أو إضعافه، على الأقل، إن لم يلغ التفاوض نفسه، كخيار، ظل مطروحا كبديل متفق عليه للحسم العسكري".