تخوين الجيش
محمد عبدالماجد
اتجه فلول النظام البائد إلى تخوين الجيش ليستروا سوءة إشعالهم للحرب، ودفعهم الجيش للدخول فيها، وقد بدأ التخطيط لذلك في انقلاب 25 اكتوبر، واكتملت ذروة التخطيط باشعال الحرب في 15 أبريل.
قبل سقوط مدني والهزائم الأخيرة (لا أقول للقوات المسلحة ولكن أقول للكيزان) كان أي انتقاد للجيش أو التشكيك في انتصاره على الدعم السريع يعتبر عندهم خيانة وطنية، كاملة الدسم. بل إن التخوين طال كل الذين يقولون (لا للحرب). كان من سمات الوطنية عندهم أن تدعو للحرب وأن ترفض وقفها، وأن تحتفل وأنت تشاهد مؤسسات البلد تنهار أمامك. كان كل ذلك يحدث في نظرهم من أجل الوطن.
التحذير من تمدد الحرب اعتبروه ترويعا للمواطنين، حينما كانوا يؤكدون انحسار الدعم السريع في الخرطوم واقتراب ساعة الحسم. كانوا يختزلون وجود الدعم السريع في مجرد ارتكازات لا وزن لها في الخرطوم. كانوا ينكرون وجودهم وتمددهم. كيف يفعلون كل ذلك وهم مجرد ارتكازات في الخرطوم لا حول لها ولا قوة؟
لقد تم تدمير الوطن تحت غطاء (معركة الكرامة). تلك المعركة التي فقد فيها المواطن ممتلكاته وأمواله وعقاره وكرامته. كان لا يهمهم دمار الوطن وخرابه، طالما هم بعيدين عن السلطة. عودتهم للسلطة او الطوفان. نسوا ان الطوفان اول من سوف يهلك بهم.
كلفة الحرب كانت باهظة حتى لو انتصرت القوات المسلحة، فكيف تكون الكلفة في ظل التقدم الواضح لقوات الدعم السريع في الخرطوم ودارفور وكردفان، والآن اتجهت قوات الدعم السريع نحو ولاية الجزيرة وولاية النيل الأبيض مع تهديد كافة ولايات السودان الآمنة؟
بغض النظر عن الطرف المنتصر، انظر الي خسائر الحرب في الأرواح والأبدان والمنشآت والأموال والبيوت والعربات. في السودان ان لم تكن مواطنا نازحا، فإن النزوح يهددك بصورة مباشرة. المدن التي لم تصلها الحرب بعد، تعيش في حالة من الرعب أعلى من المدن التي تشهد وطيس الحرب. خسائر الحرب طالت مصفاة الجيلي والجسور والخزانات إلى جانب ما لحق الشعب السوداني من أضرار وخسائر بالغة بعد ان توقفت مصالح الناس وتعطلت عجلة الحياة في السودان.
فلول النظام البائد اتجهت سهامهم بعد خسائرهم الأخيرة نحو الجيش، وردوا الهزائم إلى بعض قيادات الجيش الرفيعة. وبدأت التهديدات تبلغ البرهان الذي أشارت بعض التقارير إلى إمكانية التضحية به، وعزله من منصبه. لقد اصبحوا يتبادلوا رسائل الخذلان والتخذيل. حتى قيادات الجيش العليا الذين كانوا يتهمون كل من ينتقد الجيش بالخيانة استجابوا لفلول النظام العام وأعلنوا عن التقصير، وعن التحقيق مع بعض قيادات الجيش بعد سقوط مدينة ود مدني. هذا الأمر كان من الأفضل أن يتم داخليا دون الإعلان عنه والتبشير به من قبل القائد العام لقوات الشعب المسلحة.
حلل الكيزان هروب كتائبهم، وحرموا على الجيش الانسحاب من أرض المعركة، بل حرموا حتي (السلام)، واعتبروا الحرب امرا لا بد منها وهي خيار لا بديل له. في تسجيل صوتي مسرّب من قائد كتيبة البراء بن مالك الإسلاموية، اعترف المصباح بفراره من معركة ود مدني. وكشف قائد كتيبة البراء الذي انتشرت له صور في مدن مختلفة وهو يحض المستنفرين على قتال الدعم السريع، عن افتقار القوات التي كانت تدافع عن مدني للذخائر، وأن عددهم قليل، وأنه لم يكن أمامهم شيء غير “الانسحاب التكتيكي”. (ومرقنا، لأنو ما كان في حاجه غير كدا قدامنا).
لعن الله (الانسحاب التكتيكي) الذي تحللون به هزائمكم. الوطن غير قابل للانسحاب. لقد دفع الجيش ثمن تبريرات فلول النظام البائد، والذين ظلوا يغطون كل هزيمة بـ (الانسحاب التكتيكي) حتي فقدوا قلب السودان النابض مدينة ود مدني.
كتائب المستنفرين كانوا يبدون في صورهم على مواقع التواصل كالأسود الضارية، وكانوا يعلنون عن جاهزيتهم واستعداداتهم للمعارك. كان خيارهم الأوحد الذي لا يقبلون غيره هو (بل بس). (بل بس)لمصفاة الجيلي. و(بل بس) لكبري شمبات. و(بل بس) لخزان جبل أولياء. (بل بس) لقيادة الفرقة الأولى مشاة. (بل بس) للمواطنين. ولا يعنيهم ذلك في شئ ، طالما كان الخراب والدمار هو سبيلهم الوحيد للعودة للسلطة.
قائد كتائب البراء مع هروبه من أرض المعركة لم ينس أن يهاجم (القحاتة) حيث قال في تسجيله الصوتي: (فيا إخوان والله غير الدعاء مافي شئ بحلّنا. وبعدين ما نكذب، ما نغش نفسنا، الرسائل البتجي دي معظمها بتاعت (قحاتة)، يعني مدني نهاية الجنجويد وما عارف ألف مقاتل، ياجماعه أقسم بالله العظيم أمبارح ما لاقين ذخيرة ومالاقين سلاح، ح يكاتلوا بشنو؟).
من يهاجم (القحاتة)؟ انظروا ماذا قال في هروبه؟ وهو يقدم رسالة يخدم بها عدوه، ويؤكد من خلالها ضعفهم وهوانهم على الناس. يقول قائد كتيبة البراء: (والله والله أنا عيني ما غمضت، أشهد الله أشهد الله العظيم من امبارح ياجماعة أنا اقسم بالله اقسم بالله شايل لي كلاش بدون خزن. لقيت خزنة بعد خراج روح. أقسم بالله مالقيت ذخيرة. أشهد الله شايل لي طلقة واحدة والله والله والله العظيم بندقيتي فيها طلقة واحدة يشهد الله).
الشعب السوداني كله لم تغمض له عين فكيف تغمض عين من أشعلوا الحرب؟ هذه هزيمة وخسارة لا يمكن ان يتفوه بها القحاتة. إذا كنتم لا تملكون غير طلقة واحدة، لماذا الدعوة للحرب؟ ورفع شعار (بل بس)؟ هل يمكن أن يكون (البل) عن طريق العكاز او بواسطة طلقة واحدة؟ إذا كان هذا هو حال قائد كتيبة البراء الذي يدعو حزبه للحرب وينطلق من أيدلوجية فكرية، كيف يكون حال الجنود الذين لا ناقة لهم ولا جمل في هذه الحرب.
الكيزان اعترفوا بالهزيمة، وقالوا ليس لهم غير الدعاء. والدعاء لن يُستجاب لمن أفسد في الأرض وسفك الدماء البريئة. لقد لعب الكيزان دورا قذرا في هذه الحرب حينما دعوا لها، وضخموا الجيش وامكانياته، وتحدثوا عن انتصارات لم تحدث، وعن جاهزية لا تخسر حتى اذا حمى الوطيس انقلبوا على الجيش وخوّنوا قيادته وسخروا من حاله.
فلول النظام عندما ينسحبون من أرض المعركة يسمون ذلك (انسحاب تكتيكي)، ويبررون ذلك بأن (خزانة كلاشهم) لا توجد فيها غير طلقة واحدة. وعندما ينسحب الجيش يسمون انسحابه (خيانة).
فلول النظام البائد عندهم الجيش (خط أحمر) عندما ينتقده (القحاتة)، أما هم فلهم أن يفعلوا فيه ما يشاءون بما في ذلك دفعه للحرب. ولهم أن يقولوا ما يشاءون بما في ذلك اتهامه بالخيانة، وعلى الشعب أن يصدقهم ويصفق لهم. بسبب هذه الخسائر وتلك الهزائم رفضنا الحرب. رفضناها خوفا على الجيش لأنه لم يكن بالجاهزية التي تكفل له الانتصار. رفضنا الحرب لأن الدعم السريع يتملك أدواتها أكثر من القوات المسلحة التي في حاجة الي بناء وتأهيل وإصلاح لا يقبل الانسحاب التكتيكي. إذا لم يتم إيقاف الفلول واستئصالهم من السلطة ومن الجيش لن تتوقف الحرب ولن يتحقق الانتصار.
وكل الدعم والسند لشرفاء القوات المسلحة، وللشعب السوداني الذي يدفع فواتير حرب جرّها له الفلول.
لا للحرب. لا لحكم الميليشيات.
الحرب سوف تصل كل من يدعوا لها حتي ولو كان في ابراج مشيدة. صوت السلام يجب ان يكون هو الاعلى.