هل يهاجم قائد الجيش القوى المدنية ببندقية ``الفلول``؟
الزين عثمان
في خطابه الاخير من مقر العاصمة المؤقتة بورتسودان اعلن قائد الجيش السوداني ورئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان استعداده لخوض غمار التفاوض محددا ذلك قريبا، لكن الرجل الذي سبق وان خاض مهمة الانقلاب على الحكومة المدنية بمشاركة قائد الدعم السريع وغريمه الان في الحرب، شن في خطابه هجوماً عنيفاً على القوى المدنية مجدداً اتهامه لها بدعم تمرد الدعم السريع، جازماً بأنه لا وصول للسلطة في البلاد الا عبر صناديق الاقتراع.
لكن السؤال هو لماذا يهاجم قائد الجيش المكونات السياسية المدنية استباقاً لوصوله لطاولة التفاوض مع غريمه العسكري؟ حسناً للاجابة على ذلك لابد من تحديد قاطع للمكونات السياسية التي نالها هجوم قائد الجيش، والامر هنا يتجه نحو قوى الحرية والتغيير والجبهة المدنية لايقاف الحرب واستعادة الديمقراطية "تقدم".
يفسر المحلل السياسي واستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين مصعب محمد على في حديثه لـ "مواطنون" هجوم قائد الجيش على القوى المدنية بانه يأتي امتداداً للسياق العام الذي يحاول ان يخلق حالة من الربط بين قوى الحرية والتغيير والدعم السريع، وبأن الاخير يخوض حربه لصالح اجندتها السياسية، وهو امر لا يبدو منطقياً لكنه في المقابل قد يتوائم مع المزاج الشعبي الذي تم تشكيله طوال فترة الحرب. كما ان الخطاب الاخير جاء في اعقاب صدمة ما بعد استلام قوات الدعم السريع لمدينة ود مدني، وهو خطاب هدفه الاساسي خلق حالة من التماسك الشعبي.
لكن الامين العام لحزب الأمة القومي القيادي في قوى الحرية والتغيير الواثق البرير هاجم خطاب قائد الجيش ووصفه بانه مجرد صدى لصوت الفلول وقيادات الحركة الاسلامية. ووصف البرير تصريحات قائد الجيش بالانفعالية والمنفصلة عن الواقع، وتؤكد في الوقت نفسه انغماسه في اجندة فلول النظام السابق، الراغبين في العودة للحكم عن طريق الحرب. كما ان تصريحات البرهان جاءت متسقة تماماً مع خطاب الامين العام للحركة الاسلامية على كرتي الداعي لاستمرار الحرب التي تؤكد كل الدلائل على ان الاسلاميين هم من اشعل فتيلها وهم من يديرونها الأن. ويتحسر الامين العام لحزب الامة من تماهي قائد الجيش مع خطابهم الآن والاستمرار في حرب عبثية تساهم في تحطيم قدرات الجيش. يدلل البرير على تماهي قائد الجيش مع خطاب الحركة الاسلامية باستدعاء استجابته لمطلوباتها في التراجع عن مقررات جدة ومحاولات التنصل عن تعهداته لقمة ايقاد.
في حديثه لـ "مواطنون" يرحب الامين السياسي لحزب المؤتمر السوداني شريف محمد عثمان بخطوة اعلان البرهان استعداده لقاء قائد الدعم السريع فهي خطوة في الاتجاه الصحيح، وتجد ترحيبا من القوى المدنية الداعية لايقاف الحرب حتى وان كانت فاتورة ذلك ان ينخرط قائد الجيش في شتم القوى المدنية والصاق التهم بها، وهو امر ليس بجديد فقد سبق لقائد الجيش وان شتم هذه القوى السياسية بالتحالف مع صديقه السابق حميدتي عقب الانقلاب اعرضنا عنها سابقاً، وسنتجاوزها الان فالوقت لا يسمح بالتوقف عند الصغائر والوطن في مترق الطرق.
هاجم البرهان في وقت سابق القوى المدنية للتبرير للانقلاب، ولقطع الطريق امام نشوب حرب اهلية في البلاد حسب تعبيره. ويهاجمها الان بعد ان نشبت الحرب تحت دعاوى انها تدعم احد طرفي النزاع وهو امر يحتوى على تناقض كبير لان من يخوضون الحرب اليوم هم من سبق لهم الانقلاب مجتمعين على القوى المدنية.
لكن خلاصة الامر الأن هو ان قائد الجيش يهاجم القوى المدنية للتبرير لخطوة الانخراط في التفاوض وهو يسعي من خلاله لخلق حالة من الاستقطاب السياسي بين المدنيين، بغية الانخراط مرة اخرى في العملية السياسية رغم ان الارشيف يحتفظ بتصريحات لقائد الجيش يؤكد فيها ان القوات المسلحة ليست لديها اي نزعة او رغبة في الاستمرار في الحكم وانها تمضي في اتجاه ايقاف الحرب واستكمال المسار الانتقالي. لكن سرعان ما يتراجع الجنرال عن تصريحاته ممتشقاً بندقية "الفلول" وفقاُ لاتهامات القوى المدنية.