31/12/2023

بالميت كدا!

محمد عبدالماجد

تخيلت أن يظهر عثمان ميرغني الذي كان مصرا في الفترة الأخيرة على تأكيد مقتل حميدتي، حتي ظننت أن عثمان ميرغني طبيب تشريح وليس محللا سياسيا، أو كأنه كان محاميا ينبش في ورثة حميدتي. تخيلت أن يظهر عثمان ميرغني، ويحلل لنا ظهور حميدتي في يوغندا مع الرئيس اليوغندي يوري موسيفيني ليقول لنا إن ذلك الشخص الذي ظهر مع الرئيس اليوغندي، ليس هو حميدتي قائد ميليشيا الدعم السريع، وإنما هو توأمه حميدان الذي كان مختفيا ولم يظهر في الساحة، لأن عائلة هندية اختطفت التوأم من أسرته، وهاجرت به إلى الهند لينشأ هنالك بعيدا عن تؤامه حميدتي. وعندما قتل حميدتي كانت هنالك حاجة إلى التوأم حميدان، ليقوم بدور تؤامه حميدتي على طريقة الأفلام الهندية التي يجيد عثمان ميرغني إخراجها في تحليلاته السياسية، والدليل على ذلك أن (البدلة) التي ظهر بها حميدتي رفقة الرئيس اليوغندي هي (البدلة) التي ظهر بها أميتاب باتشان في فيلمه الشهير "إيه كيه إس". قولوا لعثمان ميرغني يخلق من دقلو أربعين!!

الإعلامي في السودان دائما يكتسب شهرته من إثارته للجدل عن طريق إنكاره للحقائق وترويجه لأشياء غير واقعية. الشهرة في السودان تحقق عن طريق السير عكس اتجاه الحقائق، ومغالطة الواقع. هكذا يفعل نجوم الإعلام في السودان. الذي يقول إن الشمس تشرق من الشرق لا يلفت الانتباه، لكن الذي يقول إن الشمس تشرق من الغرب هو الذي يثير الجدل. بعضهم من شاكلة عثمان ميرغني يحاول أن يثبت ذلك (نظريا).

تخيلت أن يعود سفير السودان في ليبيا الذي أكد على مسؤوليته (الشخصية) مقتل حميدتي، رغم أنه كان ضيفا في البرنامج كسفير للسودان في ليبيا، ولم يكن ضيفا لعبقريته الشخصية، وربما لو لم يقل سفير السودان في ليبيا إن حميدتي قتل لما سمع به أحد. وليس للرجل أبعاد شخصية تبقى في الذاكرة غير هذا الإنكار. تخيلت أن يظهر هذا السفير الذي أظن أن اسمه إبراهيم محمد أحمد من جديد، ويقول إن حميدتي الذي ظهر مع الرئيس اليوغندي يوري موسيفيني، ومع رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد علي بعد ذلك، هو (البعاتي) ذاته الذي كان يقصده، حينما قطع باستحالة لقاء البرهان بقائد ميليشيا الدعم السريع لأنه (ميت). وأن الأموات لا يتحدثون ولا يتفاوضون.

ربما يكون (المرحوم) حميدتي وصل الي يوغندا وأديس أبابا محمولا على نعش، وليس على الأموات حرج. وقد تكون روحه حلقت هنالك، وهذه من بعض كرامات (الكيزان) الذين كانوا يستعينون به إبان حربهم في جنوب السودان. تخيلوا أن شهرة سفير السودان في ليبيا وكل إنجازاته، اكتسبها من قوله إن حميدتي (مرحوم).

هل يعقل أن يفعل بكم (مرحوم) كل هذا؟ عار عليكم إن فعل بكم (ميت) كل هذه الأشياء؟ أسقط نيالا والجنينة وزالنجي والفولة ومدني ورفاعة والحصاحيصا ويسيطر على أجزاء كبيرة من ولاية الخرطوم. بـ "الميت كدا" خسرتوا الحرب!! وخسرتوا مصداقيتكم أيضا واخلاقياتكم. سفير السودان في ليبيا لم يكتف بموت حميدتي وإنما أكد أن حميدتي (شبع موت). أهكذا يكون الشبع من الموت؟

سنعود الى ساقية الصور (المركبة) وأن يد حميدتي اليسار، أطول من يده اليمين، وأن رئيس الوزراء الإثيوبي بسبب حسابات تخص سد النهضة ظهر مع شخص ميت قد شبع موتا، أما الرئيس اليوغندي فقد كان مع حميدتي في صورة شخصية (خيالية) لا أساس لها في الوجود. والدليل على ذلك أن (الشال) الذي كان يضعه الرئيس اليوغندي على كتفه شال (سيرالي) بغيض، والسيرالية في الفن التجريدي شيء غير مفهوم.

مبارك الفاضل الذي يروج لنفسه باعتباره رجلا خطيرا، ويعرف الكثير من الأسرار، كان منذ شهر مايو الماضي يتعامل مع حميدتي باعتباره رجلا ميتا. مبارك الفاضل الذي هرب من السودان بعد أن أكد سرقة ذهب زوجته، (بدأت من عنده الفرية)، وهو الذي حدد نوع الإصابة التي تعرض لها حميدتي، والعملية التي خضع لها، والكيفية التي غرزت بها مشارط الطبيب في جسد حميدتي المتناثر. لقد هلك حميدتي ليس في ذلك شك فهو (هارب) عفوا فهو (هالك).

مبارك الفاضل أو مضلل الفاضل، بعد روايته تلك وقصصه التي يضاهي بها نجيب محفوظ لم يفعل شيئا بعد ظهور حميدتي غير أنه اعترض على استقبال إثيوبيا لحميدتي بصورة رسمية. مزمل ابوالقاسم و"متحرك" مجموعة إعلام قطر كان يؤكد على استحياء في كل ظهور لحميدتي إن هذا إلا سحر يؤثر، بل هذا هو (الذكاء الاصطناعي) المصطلح الجديد الذي وجد فيه مزمل ضالته. هذا الإعلام المضلل هو الذي هزم السودان، وهو الذي بعد أن يئس من الجيش، يقودنا الآن إلى حرب أهلية عن طريق المقاومة الشعبية. إعلام يجر السودان إلى حرب أهلية وهو آمن في الخارج.

سوف ندعم الجيش بالصدق والحقيقة، ونرفض انتهاكات الدعم السريع بالحقيقة والصدق، من أجل مصلحة السودان وليس من أجل مكاسب شخصية. نحن ضد انتهاكات الدعم السريع، وضد قصف الجيش عن طريق الطيران للمدنيين ولمؤسسات البلد.

هؤلاء الذين يكتبون من الخارج ويدعون للحرب، وتسليح الشعب، هم أخطر على السودان من الدعم السريع، هم يمارسون انتهاكات بصورة أكبر من تلك التي شهدناها. الخطر على السودان يأتي من هؤلاء الذين يدّعون الوطنية بقدر ما يعود على أرصدتهم البنكية. الوطنية عندهم تعني رصيد في البنك. ماذا يريد هؤلاء من السودان غير المزيد من الحرائق؟ من أجل المزيد من التحليل والخداع والنفاق.

نقول لا للحرب لأن الذي ينزف في هذه الحرب هو الوطن. نقول لا للحرب لأن الذين يدفعون الثمن هم الأبرياء والضعفاء الذين ضاقت بهم الملاجئ. نقول لا للحرب لأن منشآت الوطن هي التي تُدمَّر. مصفاة الجيلي، وجسر شمبات، وخزان جبل أولياء، ومصنع سكر سنار. نقول لا للحرب لأن القصر الجمهوري، والقيادة العامة، والتلفزيون والإذاعة تحت الحصار الآن.

نقول لا للحرب لأن الحرب امتدت نحو ولاية الجزيرة، ولأنها تهدد الآن سنار وشندي بعد أن سقطت نيالا وزالنجي والجنينة والفولة في إيدي ميليشيات الدعم السريع. نقول لا للحرب لأن قصف طيران الجيش يضرب المدنيين في نيالا وسنار والأبيض. نقول لا للحرب، لأن الجيش بعد 9 شهور فشل في تحقيق أي انتصار على الدعم السريع فلجأ إلى المقاومة الشعبية وتسليح المواطنين.

نقول لا للحرب لأن والي ولاية نهر النيل محمد البدوي عبدالماجد لا يفرق بين كفار قريش ومواطني ولايته الأحرار. هذا الوالي لم يرتق بعد للمنصب الذي يشغله فهو مازال يعمل بعقلية ضابط إداري صغير في بداية التحاقه بالخدمة المدنية، يلاحق (الفرّيشة) في الأسواق، ويطارد ستات الشاي، مع احترامنا وتقديرنا التام للضباط الإداريين الذين نهضت على كتوفهم الخدمة المدنية ليس في السودان فقط ، وإنما في الخليج كله، ولكن والي ولاية نهر النيل لم يرتق لذلك. قولوا لهذا الوالي المتعسكر إن هذا الطريق سبقك عليه علي كرتي، والفاتح عزالدين، وأنس عمر، وصلاح قوش فانظر أين هم الآن؟

ومثلما نرفض الحرب نرفض كذلك تخوين الجيش. ونقول إن القوات المسلحة دُفعت لحرب غير مقتنعة بها لذلك تأخر الانتصار. لا نعتقد أن الجيش السوداني في حاجة إلى مساندة أو مقاومة شعبية لو أنه كان يخوض حربا مقتنعا بها. يظل الجيش عندنا محل تقدير واحترام وليس كما ينظر له الفلول الآن الذين بعد أن أضعفوه وأنهكوه، خرجوا يدعون للمقاومة الشعبية بعد تخوين الجيش وتنادوا يبحثون عن محمد صديق الذي كان عدوهم بالأمس. إنهم يبحثون عن بديل للجيش.

وحدة الوطن وأمن أهله وشعبه عندنا خط أحمر. ومن يهدد تلك المقدسات هو العدو الحقيقي حتي وإن كان ذلك يحدث باسم الجيش المفترى عليه، أو المقاومة الشعبية. قولوا للبرهان إن ذهب إلى مفاوضات حميدتي فهو يفاوض مرحوما قد شبع موتا، وعليه ألا ينسى تعزيته. حميدتي قد مات وشبع موتا. الفاتحة على روح حميدتي! ولا نامت أعين الفلول!!

معرض الصور