بيان: اتساع نطاق الحرب في السودان وطرفاها يستهدفان المدنيين
بيان من المرصد السوداني لحقوق الانسان
من نيالا في جنوب دارفور إلى قرى ولاية الجزيرة: اتساع نطاق الحرب في السودان وطرفاها يستهدفان المدنيين
1 يناير 2024
مع دخول الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع شهرها التاسع، وتوسّع رقعة الحرب بعد استيلاء قوات الدعم السريع على مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة وما حولها، ومع استمرار المواجهات بين الطرفين في ولايات دارفور بغرب السودان، تردّت أوضاع حقوق الانسان في السودان إلى مستوى كارثي. وازدادت أوضاع المدنيين سوءاً نتيجة استمرار العمليات العسكرية.
ونشير هنا إلى قيام القوات المسلحة في 29 ديسمبر بقصف مدينة نيالا بالبراميل المتفجرة، وأفاد شهود عيان ومنظمات حقوقية بمقتل وإصابة ما لا يقل عن 118 من المدنيين. وفي ذات الوقت استمرت الهجمات المتقطعة التي صاحبها قتل المواطنين في قرى وبلدات الجزيرة بهدف النهب، كما استمر استهداف الاستخبارات العسكرية للناشطين السياسيين ومتطوعي الإغاثة والمدافعين عن حقوق الإنسان في مختلف المدن السودانية بالاعتقال والتعذيب.
وطال القتل خارج نطاق القانون العديد من المواطنين في مدن مختلفة بزعم التعاون مع الدعم السريع. كما تعرضت البنية التحتية في الخرطوم خاصة للكثير من التدمير الذي يصعب إصلاحه. ويؤكد المرصد السوداني لحقوق الانسان على ضرورة الوقف الفوري للحرب وحماية المدنيين من آثارها الكارثية. لقد أهدر استمرار الحرب في السودان دماء السودانيين، وشردهم، ومزق نسيجهم الاجتماعي، وأفقرهم، وخنق تطلعاتهم إلى السلام والحرية والعدالة. لقد تحوّلت حرب الخامس عشر من أبريل إلى حرب يوجهها الطرفان بالدرجة الأولى ضد المدنيين.
فى بداية ديسمبر، سجل مشروع بيانات مواقع وأحداث النزاعات المسلحة أكثر من 3,250 معركة عسكرية في السودان، وأكثر من 12,190 حالة قتل في السودان، أغلبها من المدنيين، منذ اندلاع الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023، ما يعني سقوط متوسط 4 قتلى أغلبهم مدنيين أبرياء في كل معركة خاضها طرفا الحرب. وقد أكد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في شهر ديسمبر نزوح أكثر من 6.9 مليون شخص داخل السودان وخارجه منذ اندلاع الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع. وأضاف التقرير أن هناك حوالي 17.7 مليون شخص معرضون لنقص الأمن الغذائي الحاد.
الاستهداف الممنهج للمدنيين والأعيان المدنية وممتلكات المواطنين في كل أنحاء السودان
في نوفمبر سيطرت قوات الدعم السريع على أغلب مناطق دارفور حيث أصبحت تمثل سلطة الأمر الواقع في الإقليم، باستثناء عاصمته الفاشر. لكن قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها تسببت في موت ودمار لا يوصفان في إقليم دارفور، الذى ظل ينزف مند عام 2003.
وتتمثل أبرز الانتهاكات والجرائم في قتل مئات المدنيين وتهجير مئات الآلاف من ولاية غرب دارفور في منتصف هذا العام. واجمالاً، ارتكبت قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها العديد من الجرائم واسعة النطاق في غرب دارفور يُدرج بعضها في عداد جرائم التطهير العرقي والإبادة الجماعية.
وارتكبت القوات المسلحة السودانية يوم 29 ديسمبر مجزرة في مدينة نيالا ولاية جنوب دارفور بإلقاء براميل متفجرة راح ضحيتها عشرات الأشخاص، جلهم من المدنيين. وقد رُصدت الكثير من حالات الاغتصاب التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في الخرطوم ودارفور وجنوب كردفان ومؤخراً في الجزيرة، الى جانب التهديد بالاغتصاب بغرض الابتزاز والترويع؛ وتقع جرائم الاغتصاب ضمن الجرائم ضد الانسانية التي تضع مرتكبيها تحت طائلة القانون الدولي الانساني.
في العاصمة الخرطوم اُستهدفت البنية التحتية وقُصف جسر شمبات في 11 نوفمبر، وهو جسر مهم لسكان العاصمة، وتستخدمه قوات الدعم السريع لربط مدينتي أم درمان والخرطوم بحري. وفي ظل الاتهامات المتبادلة بين طرفي الحرب اللذين اتهم بعضهما الآخر ، نجد أن الجهة التي قصفت الجسر قد استهدفت هدفاً مدنياً مما يعتبر خرقا للقانون الدولي الإنساني. وفي الجنوب الغربي للخرطوم ايضا قُصف جسر جبل أولياء على نهر النيل الأبيض يوم 18 نوفمبر. وحتى هذه اللحظة لم تقم القوات المسلحة بإصدار بيان يوضح مسؤوليتها أو انعدامها في قصف هذه المرافق، بل صدرت بيانات متضاربة من الطرفين كل ينسب المسؤولية للطرف الآخر.
تواصل الاستهداف الممنهج للمدنيين وممتلكاتهم في ولاية الجزيرة بعد الاستيلاء عليها بواسطة قوات الدعم السريع في منتصف ديسمبر. حيث شُرد أكثر من 300 ألف شخص منها حسب تقارير الامم المتحدة. وشهدت الولاية انتهاكات عديدة منها القتل والاعتداء على بيوت المواطنين في مدينة ود مدنى الكبرى، وترويع السكان وتهديد حياتهم، والاستيلاء على سياراتهم وأموالهم وممتلكاتهم، فضلاَ عن نهب الأسواق والمخازن والمرافق الاقتصادية الأخرى، بما في ذلك مخازن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة.
ورغم تعهد قادة الدعم السريع على أعلى مستوى بحماية المدنيين وإرجاع المسروقات، خاصة السيارات، تواصلت عمليات السلب والنهب والترويع في كافة مناطق الجزيرة دون رادع. ويشير اخفاق قادة الدعم السريع عن الوفاء بوعودهم إما الى عجز القيادة عن السيطرة على قواتها، أو عدم جديتها في التعهدات التي بذلتها للأهالي.
دخلت قوات الدعم السريع قرية أم دقرسي في شمال الجزيرة في 24 ديسمبر بحثاً عن سيارات مدفونة بالقرب من مجرى نهر النيل الأزرق واعتقلت 4 أشخاص تعرضوا للتعذيب، فتجمع الأهالي لوقف هذا الانتهاك. أطلقت قوات الدعم السريع النار على المدنيين وقتلت 5 أشخاص وسقط العديد من الجرحى. تكرر الهجوم على القرى وسرقة سيارات المواطنين، خاصة على طول الطريق السريع الممتد من مدني إلى جنوبي سنار، والطريق الغربي بين مدني والخرطوم. وفي ليلة 30 ديسمبر أجبر معظم سكان المدينة عرب على مغادرتها إثر مقتل ثلاثة من أصحاب المحلات التجارية في السوق وطبيب كان في طريق العودة من عمله على يد قوات تؤكد شهادات المواطنين انتمائها إلى قوات الدعم السريع.
الاستهداف الممنهج للمدافعين عن حقوق الإنسان ودعاة وقف الحرب
من خلال رصده لحملات الاعتقالات التي نفذتها الاستخبارات العسكرية في العديد من الولايات، تأكد المرصد السوداني لحقوق الانسان من ممارسة استهداف ممنهج ضد المدنيين من المدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين السياسيين وأعضاء لجان المقاومة في المناطق التي يسيطر عليها الجيش. فقد اعتقل، على سبيل المثال، أحمد أبو هريره حسن، 29 سنة، العضو القيادي بالحزب الليبرالي الديمقراطي، وهو حزب عضو في قوي الحرية والتغير، بواسطة الاستخبارات العسكرية يوم 9 يوليو 2023، بالقرب من مدينة شندي في ولاية نهر النيل ولا يزال مكان اعتقاله غير معروف.
وفي 27 ديسمبر قامت الاستخبارات العسكرية للقوات المسلحة بولاية سنار بحملات اعتقال في وحدة كركوج الإدارية ودونتاي باعتقال أحد عشر شخصاً من القوى السياسية والمدنية ولجان المقاومة، حسب لجان مقاومة كركوج بولاية سنار. كما قامت الاستخبارات العسكرية بسنجة أيضاً باعتقال عدد من متطوعي غرفة الطوارئ أثناء تقديمهم الوجبات للنازحين العابرين بالسوق الشعبي بسنجة. كما اعتقلت استخبارات القوات المسلحة في ١٤ مايو في الكدرو بالخرطوم بحري عامر عبود ومجاهد أنور، وهما متطوعان في غرف طوارئ بحري. وهناك خوف علي حياة هؤلاء المعتقلين، خاصة بعد تصريح والي نهر النيل محمد البدوي يوم29 ديسمبر الذى أمهل عناصر قوى الحرية والتغيير مدة 72 ساعة لمغادرة الولاية. وفي عدد من ولايات الشمال والشرق تصاعدت حملات من الشحن العنصري وخطاب الكراهية على أسس جهوية وإثنية الأمر الذى يهدد بتحويل النزاع الدائر الى حرب أهلية شاملة.
التوصيات:
• يجب إيقاف الحرب فوراً وإيجاد حل سلمي للازمة السودانية.
• على الطرفين الالتزام التام بقواعد القانون الإنساني الدولي وقوانين حقوق الانسان، ومحاسبة ومعاقبة مرتكبي الانتهاكات من الجنود والقادة الميدانيين، وإعلان الاستعداد للتعاون الكامل مع كافة الجهات التي تتولى التحقيق في مزاعم الانتهاكات والخروقات وعلى رأسها بعثة تقصى الحقائق التي شكلها مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، والمحكمة الجنائية الدولية.
• على قوات الدعم السريع التوقف فوراً عن مهاجمة المدن والقرى الآمنة، والانسحاب من تلك التي احتلتها، والكف عن توسعة رقعة الحرب.
• على قوات الدعم السريع الالتزام التام بضبط قواتها في جميع مناطق انتشارها، خاصة ولاية الجزيرة والتحقيق في الاعتداءات العديدة التي وقعت على المدنيين؛ وعلى القوات المسلحة التحقيق في جميع ادعاءات التعذيب والمعاملة السيئة والقتل أثناء الاحتجاز، واتخاذ التدابير لتقديم الجناة المشتبه فيهم إلى العدالة في محاكمات نزيهة.
• على القوات المسلحة الالتزام وقف القصف الجوي العشوائي، والإقلاع عن استخدام البراميل المتفجرة، خاصة في مدن دارفور، والخرطوم وكافة المناطق المأهولة بالمدنيين والسماح لعمال الإغاثة بالوصول الآمن إلى ضحايا القصف الجوي وغيرهم من المدنيين في جميع نواحي دارفور، خاصة نيالا.
• على طرفي الحرب الكف عن كل ما من شأنه تعقيد الأوضاع الغذائية، السيئة سلفاً، بما في ذلك نهب مخزونات الإغاثة، أو إعاقة وصولها، أو التحكم في مسارها، او السطو على المحاصيل، أو التعرّض لعمال الإغاثة، حيث تعتبر بعض هذه التصرفات انتهاكاً صريحا للقانون الإنساني الدولي.
• يجب على الطرفين الامتناع التام عن تسليح المدنيين للأخطار والعواقب الوخيمة التي تتبعها والتي قد تؤدي إلي حرب أهلية شاملة.
للمزيد من المعلومات يمكنك الاتصال بنا : info@suhrm.org
او زيارة موقعنا: https://www.suhrm.org/