``شر البلية``
عثمان فضل الله
كثيرين أسعدهم الخطاب، وآخرينأحبطهم وهناك من الناس أحزنهم بلاشك. أما أنا فقد أضحكني.. نعم والله. قد أضحكني كثيرا، لأن الرجل الذي تحدث اليوم نزع عنه الحكمة قطعة قطعة والحكمة تاج الحكام.
ومن تحدث اليوم نزع عنه الوقار قطعة قطعة والوقار شيمة الكبار. ومن تحدث اليوم باحثا عن تصفيق فئة قليلة تتخذ من عواصم العالم مستقرا وتنادي بالمزيد من العذاب حصد السراب. فلا أرضى الله بخطابه ولا أرضى إخوان الشيطان.
ضحكت وأنا اقرأ رسائل تصلني يوميا من كرماء في بلادي باتوا يتسولون اللقمة والهدمة. رسالة من رجل لا يجد قيمة الفونتلين، وأخرى أتى موعد ولادتها ولا تملك قيمة الداية. وهذه تسأل إن كان هناك من يساعدها بقليل مواد تموينية تطعم بها أطفالها.
نعم ضحكت بهستيريا قهقهت عاليا وضربت كفا بكف لرجل وضع الله في عنقه مسؤولية ٣٠ مليون سوداني ويسقوهم إلى الموت سوقا لأنه يريد أن يثبت لنفسه شجاعته وإنه لم يكن موجودا في بدروم لأربعة أشهر متتالية. رجل في دولته الناس يقطعون المسافة من الثورة حتى ود درو ليلا متخفين بالظلام والخرابات وصولا إلى مسيد شيخ الامين ليتركوا أطفالهم هناك حتى يجدوا ما ياكلون.
هل يدري من تحدث اليوم عن الرجولة والرجالة بذلك. إن لم يكن يدري فتلك مصيبة، وإن كان يدري ويتجاهل ما يدري فالمصيبة أفدح. وله نقول ارفع هاتفك وتحدث مع ذلكم الشيخ الوقور الذي شيطنه حلفاؤك ومن تسعى لارضائهم، وطالبوك بدك مسيده بالطائرات، كم طفلا الآن يأوي وكم أسرة به من الجوع تستجير.
ضحكت ولم أعرف معنى المقولة ذائعة الصيت "شر البلية مايضحك" إلا اليوم. فالرجل يتحدث عن المقاومة الشعبية وهو يعلم أن المعركة ليست مغنى وعرضة وحلاقيم. والرجل يتحدث عن قرب الخلاص وقرى الجزيرة واحدة بعد الأخرى دانت للدعم السريع، وقبلها الخرطوم ودارفور وكردفان واجزاء من سنار.
يتحدث عن تسليح الناس للدفاع عن حرائرهم ويعلن أن لا تفاوض. يحفر الخنادق حول شندي ومروي والقضارف، ويقول إننا مستعدون وسنمضي إلى الأمام. يستجدي أن تكون المقاومة الشعبية تحت إمرة الجيش، وهو يعلم أنه لا سلطان له على الجيش ولاسلطان للجيش على المقاومة ولا للمقاومة والجيش سلطان على الدعم السريع.
ينادي بالحرب وهو مهزوم نفسيا ومهزوم عسكريا ومهزوم سياسيا ومهزوم دبلوماسيا، والبساط الأحمر الذي استقبل به غريمه أين ما حل خير دليل. حاصر قواته داخل الحاميات وينادي بالسلام ووقف الحرب. ومن تحدث اليوم ينادي بتسعيرها، يحاصره اليوم دبلوماسيا صادقا أم كاذبا يمنح العالم ما يريد من لغة ويفتح المغلق من أبوابه. ومن تحدث اليوم يغلق المفتوح ولا يبالي.
شئنا أم أبينا تلك حقيقة شاخصة أمام عيوننا، فلا دارفور استردت ولا اليرموك عاد ولا جبل الأولياء بخزانها يستطيع أن يقترب منها من كانوا فيها بالأمس.
هذا الرجل يريد صديقا أن يمسكه من اكتافه ويهزه هزا حتى يصحو من حالة الإنكار التي هو فيها، ليقول له إن المقاومة، التي يحدثونك عنها هباء، اختبرت في مدني و"عرد" قائدها مختفيا بعد أن كان يملاء الدنيا ضجيجا ومكاتب قادة الفرق تكبرا وتجبرا وعنجهية. وما جرى في مكتب اللواء احمد الطيب قبيل سقوط مدني بيوم وضع أمامك في التقارير. أين هو الآن؟ ولماذا تبخر؟
هل سألت نفسك أين من كانوا يتغنون للحرب في أيامها الأولى، والآن يشتمونك ويصفونك بالعواليق كلما تحدثت عن رفع المعاناة عن شعبك؟ هؤلاء سيُدخلون القضارف في محرقة والدامر ومروي في مجزرة وأنت المسؤول.
اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا.