09/01/2024

التاجرات.. سطوة النساء تظهر في أسواق الخرطوم

مواطنون - علي طاهر
توقفت شاحنة بيضاء مغطاة بمشمع أخضر اللون، في شارع البنك أقصى جنوب سوق 6 الحاج يوسف. في ذلك المكان الضيق، تسابق الوسطاء السماسرة وبعض من التٓجار لمعرفة هوية السلعة في بطن العربة التي تحمل علامة "دال" على جانبها الأيمن الملطخ بالطين، وبعد دقيقتين فقط أدرك الجميع أن الشحنة تحتوى أكثر من 100‪ كيس لبن إيرلندي عبوة 50 كيلو.

قبل أن يحدد صاحب الشحنة المجهولة المصدر قيمة الكيس الواحد، انسلت من بين الجموع امرأة ترتدي عباءة وبرقعاً على وجهها، وهمست للرجل في إذنه، فعاد بسرعة وغطى العربة بالمشع الأخضر وقال بصوتٍ جهور: "اللبن أتباع". اتضح أن المرأة صاحبة العباءة السوداء التي فرضت سطوتها على السوق، اشترت الشحنة بسعر يفوق ذلك الذي ينوي عرضه، ثم أخذت البضاعة برمتها إلى سوق مايو جنوب العاصمة الخرطوم. وهي تاجرة ناشطة في هذا الشأن تحمل أموالها في جوالات، وتنتظر مثل هذه الفرص لتكسب ربحاً وفيراً دون وضع أعتبار لحاجة النّاس. وبعد اكتمال البيعة احتج الحضور بشكل أحدث فوضى فأطلق الرجل المسلح الذي يرافق سائق الشاحنة رصاصة في الهواء كانت كفيلة بتفريق الجموع بسرعة.

هكذا باتت التجارة بأطراف العاصمة تكشف جبروتها، بينما أظهرت النساء قدرة كبيرة في مجاراة الأسواق، واستثمار الظروف، وسيطرن بشكل واضح على سلع معينة مثل السكر، الدقيق، الزيوت والألبان، والتي أصبحت جميعها تحت رحمة هذه الأيادي الناعمة وصاحبات العباءات السوداء، اللاتي تحكمن في أسعار السوق بسبب احتوائهن للمعروض، وعلاقاتهن المتينة بالموردين الذين يفضلوهن عن الرجال، وسماسرة اللسان الحلو، لأنهم لا يدفعون كاش، وإنما يعتمدون على النظام الآجل، وهو بيع البضاعة، ثم يقوم بتسديد المبلغ، إلا أن التاجرات من النساء يدفعن كاش قبل إستلام البضائع، وهو أمر محبب عند تلك المجموعات التي تتعامل بسرعة لأنهم على عجالة من أمرهم.

"مريم" بائعة شاي بائسة، انتقلت من منطقة بري إلى شرق النيل، ومثلما بدلت مكان سكنها، بدلت هوية عملها، وتحولت لبائعة أواني منزلية. تستيقظ في الصباح الباكر، وتنتظر عند مدخل السوق الشاحنات الصغيرة التي تحمل في بطونها صواني، قدور، حلل، صحانة، مقاصيص، وغيرها الأدوات المنزلية الخفيفة. تشتريها بسعر زهيد، ثم تعرضها على لنساء وجاراتها بثمن مضاعف، هي ليست وحدها في هذا المجال، هناك الكثيرات اللاتي يعملن في مثل هذا التجارة الخفيفة والمرحبة، تجد "مريم" منافسة شرسة، ولكن جسمها الضخم دائمًا ما يساعدها ويسهل مهمتها وقت الشدة.

وتحت المظلات المنتشرة على حافة سوق 24 الشقلة، تجد بين عشرة نساء رجل واحد ينافسهن على البيع المفروش على الأرض. هناك كل شيء يخطر على بالك تجده متوفر وبأسعار رمزية، وعلى الرغم أن الوارد إلى السوق يأتي بأيادي الرجال، إلا أن سطوة المرأة هناك هي التي تتحكم في عملية البيع والشراء، والبضائع المعروضة على الأرض وفوق المساطب المؤقتة، والغالبية من الزبائن أيضاً نساء، يشترين الاحتياجات المنزلية، جردل الصابون الكبير بأربعة آلاف جنيهاً فقط، فيما تجد الشاشات الكبيرة بأسعار لا تتعدى 40 ألف، وهي نفس قيمة اللاب توب، بينما الحلويات، البسكويت، الشيبس والاندومي، لا تتعدى 500 جنيها، أما الملابس غير مرغوبة رغم كثرتها.

وعند سوق ٦ تحولت مكاتب المحاميين المنتشرة على طول الشارع إلى مخازن تضع فيها النساء البضائع التي ليست لها أسعاراً محدودة. الفوضى فقط هي التي تتحكم في كل شئ لا قانون هنا، وإن أسماء المحامين فوق اللافتات، وهيبة " القضاء الواقف" لم تستطع ضبط السوق، وردع قائمة الأسعار المجنونة أمام المكاتب الفارغة من أصحابها.

وقبالة لفة 2 مدخل سوق الوحدة الوطنية، تكتظ أطراف الشارع الذي يمتد نحو 2 كيلومتر تقريباً بالباعة المتجولين وتاجرات العدة والعطور بشقيها البلدي والأفرنجي، وربما تجد على الرصيف حذاء غوتشي، أو صندل لا ميدوسا الأصلي ب1000 جنيه، ومنتجات نونا رتشي، أو تي شيرت ماركة نايكي الشهيرة ب500 جنيه، أو أدنى من ذلك، لأن التاجرات في أسفل السوق لا يهتمن بالماركات وإنتاج بيوتات الملبوسات الشهير بقدر الاهتمام بالأرباح حتى لو كان جنيهاً.

معرض الصور