نحو ثقافة بناء السلام
حسن خالد
تزايدت وتيرة الدراسات التي تتمحور حول بناء السلام وحل النزاعات بين الأطراف (دول - أفراد - جماعات) بعد الكوارث التي رافقت الحربين الكونيتين وظهور بوادر الحرب الباردة بين قطبي السيادة العالمية فيما بعد الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي.
ولم يبخل الخطاب الديني بالدعوة إلى تبني هذه الثقافة فمنهم من يرى أن دينه دين محبة سلام وآخر يدعو إلى الجنوح للسلم إن جنح خصومه لها.
وبما أن الهدف الأساسي لدراسات بناء السلام وحل الصراعات تدور أساسا حول الوقاية من حدوث الصراعات ومعالجتها في حالة حدوثها فإن آليات تسوية تلك الصراعات المختلفة "النزاعات" هي إحدى العناصر الأساسية لإرساء ثقافة السلام وجني ثمارها، ولنتجنب السرد اللغوي التفصيلي عن السلام وما تحمله من معاني ودلالات.
السلام اختصارا يُعرف بأنه (ضد الحرب) وبأنّه: (غياب الاضطرابات وأعمال العُنف والتقاتل البيني).
بات السلام (والذي هو البديل الحصري للحروب والصراعات وحالة اللا استقرار) ضرورة ملحة خاصة ونحن نعيش في عالم كثرت فيه الحروب وازدادت النزاعات والصراعات بوتيرة متزايدة.
إنَّ مفهوم بناء السلام يُشير إلى تحديد البُنى التي تشكل أساس ومتطلبات الحياة لدى/ أفراد - جماعات - مجتمعات / ودعمها، تنحصر مهمّتها في ترسيخ وتفعيل السّلام وتمكينه، وذلك لعدم الانجرار والزجّ في صراعات جديدة إنما محاولة تطويقها، وعدم تكرارها مرّة أُخرى، الأمر الذي أدَّى لنشوء ما يُعرف بالدبلوماسيّة الوقائيّة، وأساسها تعاون عدّة جهات قد تكون حكومية ومدنية، والعمل يداً واحدة وبشكلٍ دائمٍ وواضح المعالم، لحلّ الصعوبات والمُعضلات التي تواجه الفرد، سواءا أكانت إنسانيّة أم ثقافيّة أم اجتماعيّة وحتى الاقتصاديّة، كون هذه المشكلات أو إحداها هي السبب الرئيسيّ لنشوب الحروب والنزاعات.
فوجود النزاعات تستلزم وبالضرورة السعي إلى بناء السلام الدائم أو الآني "هدنة" ومعرفة أسباب النزاع ووضع خطة للسلام عبر قنوات رسمية أو بديلة إن استعصت الأولى، ولأن النزاع هو تنافس بين الأفراد أو الجماعات أو حتى الدول على قيم أو الموارد أو مصلحة تستخدم فيها شتى الوسائل الممكنة (مكيافيلية سياسية) للوصول إلى المبتغى سواء كانت الوسيلة مشروعة أم غير مشروعة.
فالحرب عندما تندلع (بعيدا عن الخوض في الأسباب) تكون مدمرة وعلى كافة الأصعدة في أي مجتمع بميزان النتائج المترتبة يتلظى الجميع بنيرانها العبثية، وهناك السلام الداخلي وهو التوافق بين متطلبات الذات وتوازنها مع كيفية الحصول على تلك المتطلبات دون حدوث انزياحات وتشظ ٍ في الداخل البشري (ربما يكون من الأفضل تبيان ذلك في مبحث خاص) .
ولا تكاد تجد أو تعثر على شريحة ولم تتأثر بتلك الأجواء التي نعيشها ومنذ زمن بعيد لأن المنطقة ملهمة الأطماع العابرة للحدود والقارات، من هذه الشرائح و الأكثر تأثراً بها شريحة /الأطفال/ نعني بهم ما دون 18 عام، لما تنطلي عليهم من مخاطر ونتائج "مباشرة ومستقبلية".
وفي هبة (الربيع العربي) أفرزت الحرب جملة من النتائج "المرعبة "، ففي نشرة صادرة من طرف/ صندوق الأمم المتحدة للسكان/ عن الآثار الناجمة عن الصراعات التي تجري في "البلاد العربية " عموماً (ولا تختلف النتائج على المجتمع الكردي أيضا) حيث كانت شريحة "الأطفال " الأكثر تضرراً من بين الشرائح المجتمعية من حيث النتائج المترتبة، فالصراعات البينية "الحروب الأهلية".
1. دفعت الأطفال الذين هم ضمن سن الإلتحاق المدرسي "يتسربون" ليتركوا الصفوف الدراسية، فلا يجدون أمامهم إلا "سوق العمل على ندرته – (عمالة الأطفال)" في إنتهاك صارخ فيعملون في مهن لا توائم طاقاتهم وأعمارهم، فيعملون في مهن "دونية" وبسيطة ووهمية / بيع الدخان – العلكة / فيتكون بهذا جيل قابل للإنحراف بتعدد أشكاله، فلا البنية التحتية "مدارس" متوفرة ولا آمنة، ولا الكادر التعليمي "التخصصي" متوفر في ظروف الحروب وما تليها من نزوح ولجوء، فينزحون مع اسرهم أو يلجأوون لدول الجوار أو إلى بلاد أخرى، وحتى في دول اللجوء "الجوار" لا يجدون مقاعد كافية - أزمة التمويل - فتزداد نسبة من أصبحوا خارج الصفوف الدراسية ليظهر (جيل الثورة الأُمي - الضائع ) لتطفو ظاهرةالتسرب الدراسي بشكل فج.
ويقال من فتح مدرسة فقد أغلق سجنا ، فكيف بمن يُدّمر و يُغلق آﻻف المدارس .
2. أو ينخرطون "مضطرين" في "الصراعات الدائرة" في بروز ظاهرة (تجنيد الأطفال القُصّر) فيكونون بذلك "وقود الحروب" التي تستعر كلما ضخت الأطراف المتصارعة ذاك "الوقود".
3. بروز ظاهرة تزويج القاصرات "الزواج المبكر" والذي كان المجتمع السوري و - الكرد ضمناً - يتجه نحو القضاء عليها أو التقليل من نسبتها إلى حدود دنيا، وتتعدد المسببات العنقودية والتي تعود في مجملها إلى مفرزات وظروف الحرب والصراع .
وبما أن منظمات المجتمع المدني تنشط في هذه الأجواء وتكون من جملة مهامها التشجّع على نشر ثقافة التطوع ومد يد العون والمساعدة للمحتاجين إليها.
ولأن العمل في الحقل التطوعي محفوف بالألغام ومحاولة السعي إلى (بناء السلام وحل النزاعات) أن كان بين أشخاص أو جماعات أو حتى دول والسعي لترسيخه بات مطلبا وحاجة ملحة أكثر من أيّ وقت مضى في أجواء الاحتراب والتقاتل بين أبناء الوطن الواحد، ينبغي على المنظمات التي تعمل على ترسيخ هذا المطلب وعبر بناء (كادر تفاوضي) له شروطه وأدواته وصلاحياته وشرعيته، بين أطراف النزاع التي من الممكن أن تظهر في (المجتمعات المضيفة والمستضيفة) لأنه البديل الأهم للقضاء على النزاعات بين الاشخاص والأطراف والجماعات والدول ينعم الانسان فيه بالاستقرار والدفع بعجلة التنمية والعيش المشترك بكرامة وسلام.
المصدر: https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=684738