رمطان لعمامرة مبعوث التلكؤ الأممي في أزمة السودان
خالد ماسا
بنوع من "الكسل" في التحليل السياسي فسّر غالبية المُهتمين بالشأن السوداني مابعد إندلاع حرب أبريل الماضي بأن تصويت الأغلبية في جلسة مجلس الأمن بالأمم المتحدة التي ناقشت طلب الحكومة السودانية بانهاء مهمة البعثة المتكاملة لدعم الإنتقال في السودان لصالح عدم تجديد ولاية البعثة الأممية، ونقل مهامها لوكالات الامم المتحدة المتخصصة، ماهو إلا إنحناءة لعاصفة الهجوم الذي قادته الخارجية السودانية على رئيس البعثة فولكر بيرتس والبعثة. وأن قبولها بذلك لم يكن إلا الخطوة الأولى في طريق تغيير طبيعة مهام المنظمة الدولية المنعقدة لها بموجب "البند السادس" ذات الطبيعه السياسية الى التدخل العسكري في السودان حسب التفويض الذي يمنحه لها "البند السابع".
"الكسل" كان في المنظمة الدولية نفسها التي إختارت توفير جهدها وقناعتها بأن أداء بعثة "يونيتامس" في دعم الإنتقال في السودان لم يكن كافياً للدفاع عنها في جلسة التصويت، وأن الإنتقال الذي كُونت البعثة المتكاملة لدعمه صار في حُكم العدم بعد قرارات 25 أكتوبر. وأن بيانات الشجب والإدانه هي ذروة سنام ما إستطاعت أن توفرة للبعثة لاستعادة مسار التحول المدني وإختارت مساراً وسط يحفظ ماء وجه المنظمة الدولية تتفادى به الأسلاك الشائكه التي وضعتها الحكومة السودانية فاعلن أمينها العام تكليف الدبلوماسي الجزائري رمطان لعمامره نوفمبر الماضي مبعوثاً شخصياً له في السودان.
بالمقابل عينت الحكومة السودانية عضو مجلس السيادة الفريق إبراهيم جابر رئيسا للجنة المعنيه بالتعامل مع الأمم المتحدة أرادت أن تقول بها أنها تريد تفصيل مهام المنظمة الدولية على المقاس الذي تريده وانها ترغب في يمشي مبعوثها على " عجين" الأزمة السودانية دون أن تُفسده بقرارات أو عقوبات.
وعلى أقل من مهله وبخطوات متثاقلة دشن الجزائري رمطان لعمامرة يناير الجاري عمله كمبعوث شخصي للأمين العام بزيارة الجاره مصر ذات التأثير المهم على القضية السودانية تحسس فيها مع المسؤولين هناك رؤيتهم للحل والتقى كذلك بمكونات وأفراد سودانيين لذات الغرض.
وعلى الرُغم من الإلتباس المُلازِم لتقديرات وتصريحات نائب رئيس المجلس الإنتقالي مالك عقار إلا أننا لانستطيع تجاوز توصيفة لزيارة مبعوث الامين العام للامم المتحدة رمطان لعمامرة ولقاءآته في بورتسودان بأنها "إستكشافية" لطريق مساعية للتعامل مع أزمة الحرب السودانية وهذا يعني بالتأكيد أن الشعب السوداني ستطول معاناته في صف إنتظار الحل لمأساته المستمرة لمايقارب العام والتي إستعصى حلها على بعثة متكاملة أمضت عامين في خضم المشكل السوداني وخرجت دون أن تكتشف عقاراً يعالج قرحها.
أكثر المتفائلين لن يتوقع أن يستوعب المبعوث التعقيد الموجود في سودان مابعد الحرب خاصة وأنه لايحمل عصى موسى لتركيب وصفة الحل لحالة الإستقطاب السياسي والاجتماعي والإثني الحاده في السودان والتي تضع أولى العراقيل أمام تنفيذ مهمته التي جاء مبعوثاً لها.
لم يستوي العقل الحاكم في السودان حتى الآن على تعريف متفق عليه للازمة السودانية فهي في بيان وزارة الخارجية مشكلة تُحل داخلياً وهنالك حساسية من تدخل الامم المتحدة فيها، وأزمة ذات إرتباط دولي وإقليمي على لسان مجلس السيادة. وهذا تعقيد لن يسهل من مهمة المبعوث الذي يجب أن يفهم بان المكتب الذي كلفه بهذه المهمه قد ألقاه في بحر ازمة معقدة وإنشغل بتعقيدات أكثر أهمية أشعلتها حرب غزة وإشتعال ملف أمن البحر الأحمر.
لعمامرة جاء لمهمته، ولانعتقد بانه خال الذهن من موقف الولايات المتحدة الامريكية منه شخصيا، واعتراضها من قبل على تعيينه لذات المهمه في ليبيا الشيء الذي دفعه للاعتذار وقتها عن التكليف، وهي اللاعب الرئيسي الان في سوق المبادرات المطروحة لحل الازمة السودانية عبر منبر جدة.
إقليمياً أيضا سيحتاج المبعوث لزمن إضافي حتى يستوعب تقاطعات دول الإقليم ومنظماته (الايقاد / الاتحاد الافريقي)، وتأثيراتها على ورقة الحل، مالم تكُن الفكرة من أساسها لدى المنظمة الدولية هي التنصُل من مسؤوليتها تجاه أزمة تعاني منها دولة عضو أصيل في جمعيتها العامة، وإعتراف بالعجز عن حماية شعب ظل يدفع تكاليف باهظة جراء الحرب والانتهاكات الملازمة لها.
لو أن رمطان لعمامره قلّب بصره في الأرقام المسجلة في سجلات مآسي النزوح واللجوء للسودانيين، والإنتهاكات الموثقة منذ 15 أبريل سيتأكد بان لا حاجة له لجولات الإستكشاف والمجاملة والعلاقات العامة، وأنه هنالك حاجة لفعل سريع يوقف نزيف الدم السوداني فوراً دون تلكوء أممي.