أصلاح القطاع الأمني وبناء السلام
فهيل جبار جلبي
إن إصلاح القطاع الأمني هو أداة شاملة لإصلاح قطاعات الأمن مختلة الأركان في الدول الضعيفة الخارجة من النزاعات بغية إحلال وبناء السلام، أو لتطوير القدرات لتلبية احتياجات الأمن البشري لسكانها، أو للانتقال من الحكم المستبد. وإن إصلاح قطاع الدفاع والأمن والشرطة يتطلب نظاماً سياسياً مبنياً على الحكم الرشيد بالإضافة إلى تحري الشفافية، وأنه ينبغي على القوات المسلحة أن تكون منفتحة تجاه القطاعات السياسية والاجتماعية المختلفة، وأن ميزانيتها ينبغي أن تكون متاحة للمناقشة العامة. كما أنه من الضروري للغاية وجود إشراف برلماني على إصلاحات الوزارة وعلى تقدم تلك الإصلاحات.
إن انعدام الوصول إلى العدالة لأغلبية السكان، بانعدام القدرات في نظام العدالة، هو من الشواغل الخطيرة التي ﺗﻬدد السلام والاستقرار. وذلك اذا كان نظام العدالة يعاني من القوانين التي عفا عليها الزمن وعدم كفاية الأفراد والمشاكل اللوجيستية والشفافية والنزاهة.
يمكن فهم عملية إصلاح القطاع الأمني على أنها مجموعة السياسات والخطط والبرامج والتي من شأنها تطوير جودة وطريقة تقديم الخدمات الأمنية في المجتمع من خلال إصلاح مرفق الأمن في الدولة بحيث يكون أكثر قدرة على تقديم خدمة الأمن للمواطنين بما يتماشى مع المبادئ الديمقراطية وسيادة القانون واحترام حقوق الانسان وبالتالي بناء سلام مستقر، إن مصطلح (إصلاح القطاع الأمني) من المصطلحات الحديثة نسبياً، فهو يتعلق بالحديث عن الإصلاحات الأمنية في الدول النامية والدول التي في طور التحول الديمقراطي أو في أعقاب النزاعات. وقد كانت الامم المتحدة أول من تحدث عن هذا المصطلح في عام 1994 أعقاب سقوط الاتحاد السوفيتي السابق.
تتضمن قوات الأمن الداخلي التي تسيطر عليها وزارة الداخلية، الشرطة والحرس الوطني والشرطة القضائية (التي تعمل في وزارة العدل والمحاكم إلا أن وزارة الداخلية تشرف عليها) وقوات التدخل (قوات الأسلحة والأساليب الخاصة) وقوات الحرس الرئاسي. وتتسم قوات الأمن الداخلي بالتعقيد الشديد ويبقى المخطط التنظيمي لوزارة الداخلية سراً، فضلا عن آليات الإشراف داخل الوزارة، ويمكن تلخيص الإصلاح المقترح لقطاع الأمن على أنه انتقال من نظام شرطي إلى خدمة شرطية يمكنها الاستجابة على الفور لمواجهة تحديات بناء السلام الجديدة، ويجب إنشاء أكاديمية للشرطة وتدرّج جديد في المرتبات وآليات إدارة التدرج المهني وتأكيد شامل على المهنية والأخلاق في التجنيد والتدريب والترقية. وأهم الدعوات الأصلاحية والتي تعزز السلام والامان هي لإجراء إصلاح لممارسات الاحتجاز عند الشرطة ومخابرات الشرطة وطرق المراقبة وسيحتاج هذا إلى إطار قانوني يحدد أداء ومهام لمؤسسات الاستخباراتية ووظائفها، فضلاً عن امتيازات وحدود المنظمات الاستخباراتية وأعضائها، ويتوقف الإصلاح السياسي الناجح في دول ما بعد النزاع في نهاية المطاف على إنشاء رقابة مدنية منتخبة ديمقراطياً على هذه وزارة الداخلية. بغية مواجهة تحديات هذه الفترة الخطيرة في فرض الدولة سلطتها القانونية على العناصر الرئيسية للنظام ولأفراد المجتمع جميعا، وتتمثل الاولوية الأولى في إعادة هيكلة قوات الأمن الداخلي ووزارة الداخلية. وتتمثل الأولوية الثانية في إنشاء إدارة ومراقبة ديمقراطية على القطاع الأمني.
ودائما يعتبر إصلاح القطاع الأمني عنصراً أساسياً في تحقيق السلام والتنمية على المدى البعيد. ولكن من الأهمية بمكان تسليط الضوء على دور إصلاح القطاع الأمني في مجالات أخرى كتحقيق الإستقرار ومنع النزاعات( ). فقد أصبح الأمن أساس التنمية الفعالة والمستدامة. ولتحقيق هذة الوظيفة لابد من توفر الكوادر المدربة القادرة على أن تعمل في إطار عمل مؤسساتي ووفق المعايير التي حددها القانون. إن سوء إدارة القطاعات الأمنية يؤدي إلى عدم قدرة الحكومة على ضمان الأمن. وكنتيجة لذلك قد يسعى المواطنون إلى الحصول على الأمن بطرق مختلفة تكون في معظمها غير قانونية ومقوضة لهيبة الدولة، كما ينتج عن غياب دور الدولة انتشار الأسلحة بيد الأفراد وازديار معدلات الجريمة. وفي كل الاحوال لاينتظر من نظام لا يشعر فيه الفرد بالأمن أو لا تستطيع الحكومة انفاذ القانون وحماية الوطن والمواطن أن يكون نظاما داعما للديمقراطية وحقوق الانسان وبناء السلام، كما لا يتصور أن تجري فيه إجراءات مستنده الى مبدأ الشفافية، ويعتبر العامل الاقتصادي عاملاً شديد الصلة بالأمن فلا إنتاج ولا تنمية دون أمن، ذلك أنه يساهم بشكلٍ حيوي في ضمان الإستقرار وبات يؤخذ في عين الإعتبار في المقاربات المتعددة الأبعاد للتعامل مع الأزمات، وتظهر الأمثلة من جمهورية أفريقيا الوسطى أن نشر القوات الأمنية لمواجهة التحديات الأمنية الصعبة لن يتكلّل بالنجاح ما لم ترافقه عملية حوار سياسي لمعالجة الأسباب الكامنة وراء النزاع.
في فترة ما بعد النزاع وأثناء عملية التحول الديمقراطي، تكون الدولة على حافة الانتقال من نظام سياسي إلى نظام سياسي جديد برؤى جديدة ومتطلبات جديدة، ومن ثم تكون هناك حاجة الى تطوير الأداء الأمني للقطاعات الشرطية ليكون داعما لهذا الانتقال. ويكون الاصلاح ومنها الأمني في هذا السياق محاولة لضبط هيكل القطاعات مثلا: حل القطاعات الشرطية غير القانونية كالجيش الموازي ويكون هدف عملية ضبط هيكل القطاعات الأمنية تقديم مبادئ الديمقراطية وحقوق الانسان والحوكمة الادارية الى القطاعات الأمنية والشرطية، وعلى سبيل المثال ما جرى في العراق وبعد ايام قليلة من الاحتلال الامريكي له عام 2003، حيث شهدت العاصمة العراقية حالة انفلات أمني غير عادي، ووقعت عمليات سلب ونهب واسعة النطاق، واستهدفت بصورة خاصة الوزارات والمنشآت الحكومية والعامة، والمتاجر ومقار حزب البعث والمتحف الوطني وبعض قصور الرئاسة، في حين غاب عن بغداد أدنى مظهر للشرطة أو قوات الامن التابعة للحكومة العراقية أو حزب البعث، بعد أن سقطت في قبضة القوات المهاجمة، واقتحم المواطنون الغاضبون مباني الحكومة والوزارات، ونهبوا كل ما وصلت إليه أيديهم ونقلوه إلى بيوتهم.
سيساعد تحليل سياق النزاع والتقييم المؤسسي على تحديد ما هي القيود والفرص المتاحة فيما يتعلق بالأمن وإصلاح النظام الامني. ان مثل هذا التحليل سيساعد في تحديد تركيز الإصلاحات وما إذا كان التركيز يجب أن يكون أكثر على القدرة أو النزاهة، وينبغي النظر إلى إصلاح القطاع الأمني (SSR) إلى حد كبير على أنه قضية حوكمة ضمن نطاق أوسع وفي سياق الإصلاح الذي يقوي الأدوات المناسبة داخل قطاعات السياسة المدنية. بالإضافة إلى ذلك، من المهم ايضاً ضمان أن نظام الأمن هو جزء لا يتجزأ من المجتمع - التفاعل مع المكونات الأخرى (المجتمع ، والقطاع الخاص... الخ). الحكومة نفسها (بما في ذلك الإطار التنظيمي) المستند إلى سيادة القانون وبالتالي يجب أن لا يتم المضي قدما دون تعزيز المساءلة والرقابة. ولابد من تقوية القوانين والدستور فيما يتعلق ويوضح مهام الشرطة ورجال الامن وتحديد الفاعلين في هذه المنظومة، وتفعيل معايير الجودة، على ان تكون مهمة القوات حماية المواطنين دون تفرقة، بالتفاهم مع القضاء، واذا لم يتحقق إصلاح القطاع الأمني. فان إندلاع العنف يكون حتمياً، كما حدث مؤخرا في ساحل العاج مثلاً، حيث انً الإخفاق في جهود الإصلاح داخل الجيش ادى الى تجدد العنف.
تدخل الحوكمة الجيدة والمساءلة في صلب إصلاح القطاع الأمني. ولعل أقوى رسالة تمخضت عن النقاشات هي أن البرامج التي تُعنى حصراً بتدريب القوى الأمنية وتجهيزها ليست فعالة في تحسين سلامة السكان وأمنهم وهي غير مستدامة.
ويمكن ان نقول أن إصلاح القطاع الأمني هو عملية سياسية بشكلٍ أساسي. ويجب أن تكون عملية تسعى إلى تغيير العلاقة بين النُخب الحاكمة والشعب لكي يتمكن الطرفان من التوصل إلى هدف مشترك ورؤية أمنية مشتركة ويمكن أن نرى أهمية وضع السياسة في صلب إصلاح القطاع الأمني من خلال تجربة جمهورية أفريقيا الوسطى حيث سيكون تشاطر السلطة في الجهاز الأمني بين مختلف المجموعات المتناحرة عنصراً أساسياً في احلال السلام.