الحزب الشيوعي وكأس اللعب النظيف!

محمد عبدالماجد

في منافسات وبطولات كرة القدم، الأندية والمنتخبات التي لا تحقق بطولات، ويخلو سجلها من الانتصارات القارية، دائما تفوز بكأس اللعب النظيف!! هذا هو نصيبها الذي ترتضي به. وكأس اللعب النظيف في اعتقادي هو جائزة (سلبية) بلا قيمة حتي وإن كان يبدو جائزة (شرفية)، وذلك لأن حماس واحتكاكات الفرق التي تفوز بكأس اللعب النظيف فاتر وضعيف، وهو يجنبها دائما المواقف الصعبة، واللحظات الحاسمة، فلا يتعرض لاعبو تلك الفرق إلى الكروت الملونة، لذلك يفوزون بكأس اللعب النظيف وهي جائزة تمنح للفريق الذي يكون صاحب الرصيد الأقل في الكروت الملونة. وهي أيضا قريبة من جائزة الطالب المثالي في المدارس، حيث يكون (الطالب المثالي) دائما (لا بهش ولا بنش). يتميز بهدوء مطلق وسكوت مطبق.

الحزب الشيوعي السوداني اعتاد على أن (يمشي جنب الحيط)، ويتجنب المشاركة والكروت الملونة خوفا من المحاسبة والمسؤولية. فهو حزب يؤمن بالمثل الذي يقول (ابعد عن الشر وغني له) أي ابعد عن (السلطة) لذلك يبدو للناس أنه حزب صاحب موقف، وهو أصلا لا يحب الدخول في امتحان أو اختبا ، وإن بدأ للناس بأنه حزب مصادم وشرس. موقفه يأتي من اللا موقف أو من سلبيته وابتعاده. حزب يشارك ويعمل من (منازلهم) بعيدا عن الاحتكاكات الحقيقية لذلك يفوز بكأس اللعب النظيف. لا يعرف الحزب الشيوعي وهو من أقدم الأحزاب السياسية في السودان، أن السياسة لعبة قذرة، لا لعب نظيف فيها ولا مثالية.

هذه الروح وذلك المبدأ الذي يعمل به الحزب الشيوعي السوداني قد يكون اكتسبه من عمله الطويل في باطن الأرض. فهو بسبب الملاحقات والقمع الذي كان يتعرض له ظل بعيدا عن الأضواء، وبقى كذلك مثل (نباتات الظل) لا تقوى على النور ولا المواجهات. الحزب الشيوعي السوداني اختار أن يكون معارضا حتى للحكومة التي ساعد على قدومها، فهو (عارض يعارض معارضة )، بل يمكن للحزب الشيوعي أن يعارض حكومة هو جزء منها أو كيان بارز فيها، وضلع أساسي فيها كما حدث منه في قوى إعلان الحرية والتغيير التي خرج منها، وبدا معارضا لها أكثر من حزب المؤتمر الوطني المحلول.

مع أن الحزب الشيوعي السوداني حزب ديمقراطي وهو يدعو للديمقراطية وله مواقف وتاريخ مشرف في هذا المضمار، أو هو على الأقل يبدو كذلك، إلا أن الحزب الشيوعي في حقيقة الأمر هو أكثر الأحزاب ضيقا بالرأي الآخر.

موقف الحزب الشيوعي من إعلان أديس أبابا الذي وقع بين (تقدم) والدعم السريع ورفضه له ليس غريبا عليه أن يفعل ما يفعل. والحزب الشيوعي ضاق حتى على أبنائه وفصل من الحزب كل الذين اختلفوا معه أو كان لهم رأي مخالف، وقد خرج أو فصل من الحزب صلاح أحمد إبراهيم الشاعر السوداني الشهير والمثقف المصادم، وأحمد سليمان المحامي صاحب الكتاب المعروف الذي ألفه بعد خروجه من الحزب الشيوعي (ومشيناها خطى: صفحات من ذكريات شيوعي اهتدى). الشيوعي اختلف أيضا مع أنجب أعضائه الدكتور عبدالله علي إبراهيم، والدكتور عبدالله حمدوك، والحاج وراق، والخاتم عدلان، والدكتور الشفيع خضر. حتي أمين حسن عمر، وعبدالباسط سبدرات كانا من أعضاء الحزب، لكنهم جميعهم تم فصلهم من الحزب لأنهم كانوا أصحاب آراء ومواقف يعتبرها الحزب ضد مواقفه ومبادئه.

كتبت كثيرا وقلت أن هنالك تشابها كبيرا بين موقف الحزب الشيوعي والحركة الإسلامية. انتقدوا إعلان أديس أبابا ورفضوا مقابلة (تقدم) رغم أن البرهان ووزارة الخارجية المحسوبة على الحركة الإسلامية رحبت بلقاء البرهان للدكتور عبدالله حمدوك الذي يجتهد في إيقاف الحرب. الغريب أن الحزب الشيوعي اجتمع في القاهرة بالحزب البعثي وبحزب الأمة عدوه اللدود ورفض مقابلة تنسيقية (تقدم) التي تدعو لإيقاف الحرب.

كان الحزب الشيوعي قد انتقد إعلان أديس وعدّه امتدادا للشراكة مع الدعم السريع. والدعم السريع الآن لاعب رئيسي في الساحة لم نستطع تجاوزه حتى بعد حرب استمرت أكثر من تسعة أشهر، لذلك لا بد من وضع استراتيجية للخلاص من الدعم السريع عن طريق الحوار والسلام وليس الحرب، لأننا فشلنا في الخلاص من الدعم السريع عن طريق الحرب.

الحزب الشيوعي قال إن الجلوس مع “تقدم” خيانة لخيارات الشعب السوداني، وهذا ما يجعلنا نسأل الحزب الشيوعي ونقول له هل الحرب هي خيار الشعب السوداني؟ الحوار والجلوس أمر لا يمكن أن يرفضه الشعب السوداني، وهو خيار يجب أن يوضع بين الخيارات حتى وإن كانت الغلبة لخيار الحرب. ما الضير في أن نضع الحوار والجلوس والسلام، خيارا من ضمن الخيارات المطروحة، خاصة أن المنفذ الوحيد يبدو في ذلك الخيار الذي يرفضه الحزب الشيوعي السوداني؟

الحزب الشيوعي السوداني أعلن رفضه لدعوة تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) للجلوس لمناقشة قضايا الحرب والسلام في السودان. ولم يعلق الحزب الشيوعي على قرار والي الشمالية المكلف عابدين عوض الله الذي حل بموجبه لجان التغيير والخدمات، كما حظر أنشطة قوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة. ويأتي قرار والي الشمالية، امتدادا لإجراءات مماثلة أصدرها والي نهر النيل قبل أيام.

الحزب الشيوعي لم ينتقد انتهاكات الدعم السريع والسلب والنهب الذي يمارسه الدعم السريع في أي مدينة أو قرية يدخلونها. ولم يعلق الحزب الشيوعي على الأخبار التي أشارت إلي امتلاك البرهان قصرا في ضاحية (إنجيك) بمنطقة غول باشي، أرقى أحياء العاصمة التُركية (أنقرة)، وفقاً لإشارة معالي السفير السوداني الأسبق في تركيا عادل إبراهيم، لفيلا فخمة في هذا الحي. قصر بمبلغ 3 مليون دولار، تقطن فيها أسرة البرهان حالياً، وهي مكونة من زوجة وابنين وبنت واحدة. لم يعلق الشيوعي عن جنسية البرهان (التركية).

إعلام النظام البائد أيضا سكت عن هذا الأمر، رغم أنه كان يملأ الأرض ضجيجا بسبب صيانة حمدوك لمنزله بقيمة وصلت 3 مليار جنيه سوداني. اعترضوا على هذا الرقم وسكتوا عن 3 ملايين دولار كلفة فيلا البرهان في تركيا.

الحزب الشيوعي لم يتحدث عن مواصلة الطيران الحربي التابع للجيش السوداني، واستهداف مواقع يعتقد أنها لقوات الدعم السريع في كل من ولايتي الجزيرة، وجنوب كردفان، ما أدى إلى وقوع ضحايا وسط المدنيين. الحزب الشيوعي لم يتوقف عند إضرام مجهولين النار في المقر الرئيسي للكنيسة الإنجيلية المشيخية بمدينة ودمدني عاصمة ولاية الجزيرة، يوم الجمعة، ما أحدث أضراراً بالغة طالت المبنى. وقضى الحريق على مستندات رسمية فيما حمّل قادة الكنيسة قوات الدعم السريع المسؤولية الأخلاقية والقانونية إزاء الحادثة لكونها تسيطر على المدينة.