17/01/2024

حرب الخرطوم تغيب ``الحواتة`` عن تأبين محمود عبد العزيز

الزين عثمان

اليوم لن يذهب محمد بابكر الذي يشغل منصب الأمين العام لمجموعة اقمار الضواحي وهي مجموعة تضم عدداً من معجبي الفنان السوداني الراحل في السابع عشر من يناير العام 2013 محمود عبد العزيز الى استاد الخرطوم مثلما جرت العادة لإقامة تأبين الفنان الراحل مثل هذا اليوم كل عام حيث اعتاد "الحواتة" الاسم المستخدم للتعريف بعشاق الفنان الراحل محمود عبد العزيز الذهاب للاستاد واقامة حفل التأبين السنوي. بابكر مثل كثيرين دفعت بهم حرب الخرطوم المشتعلة نحو الولايات او خارج السودان.

لعشرة سنوات متتالية ظل الحواتة حريصين على إقامة التأبين السنوي لايقونتهم لكن مشهد الاحتفال غاب لمرة واحدة في العام 2019. وقتها قرر معجبي الراحل استعادة ذكراه في الشوارع عبر موكب اطلقوا عليه موكب الحوتة لاسقاط نظام الرئيس عمر البشير الذي لطالما قابل محمود بالعسف والتنكيل والسجن حسب رؤيتهم وذلك اثناء اشتعال ثورة ديسمبر الشبابية. العام قبل الفائت قرر الحواتة ان يقوم مهرجان تأبين محمود عبد العزيز على اكتاف واليات فرقته الموسيقية التي قامت بعزف اغاني الراحل ورددها الاف الحاضرين في مشهد كورالي رددوا فيهم هتافهم "الحوت لا يموت".

لم يقتصر وجود الفنان محمود عبد العزيز المولود في شهر أكتوبر من العام 1967 والذي بدأ الغناء في عام 1987 ويملك اكثر من 125 اغنية خاصة، بالاضافة لاغاني مسموعة اعاد ادائها. وشهدت مسيرة محمود طباعة 29 البوماً غنائيا في تسعينات ومطلع الالفية. واحتل الفنان مكانه في المقاهي العامة والكافتريات والمواصلات العامة حيث اصبح صوته احد ملامح الشارع السوداني وفي مختلف المدن مما جعله يتربع على عرش الاغنية السودانية في تلك الفترة ساعده في ذلك الشباب الذين اعتبروا تمرده على السائد وقتها تعبيراً عنه بقدراته التطريبية العالية وبشعبيته الكبيرة.

يقول عنه المفكر والكاتب السوداني حيدر ابراهيم بان محمود كان هو صوت المعارضة في الزمن الانقاذي في اشارة لحقبة حكم الاخوان المسلمين، كما انه كان صوت الحياة في زمن الحرب. ففي وقت فشل السلطة في سوق الشباب لحروبها في الجنوب كان محمود قادراً على ان يجمعهم في حفلاته بل كانوا يتبعونه من مكان لاخر.

في وقت سابق فرضت السلطات الحاكمة على الفنان محمود عبد العزيز ان يحوي احد البوماته اغنية "النار ولعت" اتساقاً مع الدعوة للجهاد التي انتظمت البلاد وقتها. المفارقة ان محمود وقتها غني اغنية "الحنين البي ليه ما قدرو العمر من وين يشترو؟

في شهرها العاشر ستحرم حرب ابريل السودانية الحواتة من تأبين محمود استاد الخرطوم الذي كان يضج بالحياة في السنوات الفائتة. تأثر كغيره من المناطق بالحرب الدائرة الأن. الطريق اليه مغلقاً مثله والجسور في العاصمة السودانية. "الحواتة" من الشباب مشردون في المنافي ومدن النزوح لا مكان يمكن ان يتم فيه تعليق بوسترات الحفل.

السابع عشر من يناير ميقات الحزن السوداني الأعظم في مثل هذا اليوم. قبل 11 عاماً شهدت الخرطوم أطول مسيرات حزنها وهي تودع "الود الشفت" المحمود عند شعبه. غرقت الخرطوم في دموعها بكت طوابي أمدر وانتحبت شوارع بحرى على صدى الهتاف "لا سودان بعد الجان". تبع الجميع النعش المحمول من العاصمة الاردنية عمان في وقت كانت فيها شوارع الخرطوم لا تضيق بحزن ودموع ساكنيها ولم تكن نيران الحروب قد حرقت بيوتات الفريق.

السابع عشر من يناير ميقات يتعلق فيه غريق الحزن بقشة. لم تكن سوى كتف صديقه يمضون معاً نحو استاد الخرطوم لتأبين حبيبهم الاولاني مرددين عدت سنة مرت سنة. سيغيب هذا العام شباب اقمار الضواحي ولكن يظل محمود في القلب موات الخرطوم بفعل الحرب منع أهلها من تأبين احبابهم الموتى وما أسوأه من إحساس

هذا العام لن يستطيع "الحواتة" الوقوف عند قبر حبيبهم في حلة حمد لانشغال المكان بحركة الحرب. ولأن بحري محمود القديمة لا تشبه بحري زمان العبث بارواح السودانيين. لن يستطيعوا رش الماء على قبره. لكنه ومن مكانه سيفعل ما اعتاد القيام به سيكون صوت الحياة في الزمن الموت سينادي بايقاف الحرب وعلى طريقته سيضع سؤاله لدي طرفي النزاع "الحنين البي ليه ما قدرو ليه ما قدرو العمر من وين بشتروا؟"

هذا العام سيغيب ايضاً مشروع التبرع بالدم الذي تقيمه مجموعة "محمود في القلب" في ذكرى رحيل محمود عبد العزيز. سيغيب لانه لم يعد في خرطوم الدماء النازفة بنك للدم. فقد جرفت دبابات الموت في طريقها معمل استاك حيث مقر بنك الدم المركزي. لن يكون هناك يوم مفتوح للتبرع بالدم حيث لا متطوعين في المدينة التي افرغتها الحرب من الحياة. فراغ يشبه فراغ استاد الخرطوم يوم تأبين الحوت وهو ما لم يكن منتظراً.

معرض الصور