الإجراءات الإنسانية والإعمارية لبناء السلام
فهيل جبار جلبي
المساعدة الإنسانية بوجه عام هي" كل عمل مستعجل لضمان المحافظة على حياة وصحة المتأثرين مباشرة بنزاع دولي او داخلي، أو كارثة ايا كانت طبيعتها". وأهم ما يميز المساعدات الإنسانية هو طابعها الطارئ، ويطلق عليها في الغالب عبارة مساعدات تتم بين بلدان متقدمة وأخرى نامية، وعملية تقديم المساعدات الإنسانية من الانسان تجاه أخيه الانسان فكرة قديمة إرتبطت إرتباطاً وثيقاً بمبادئ الدين والأخلاق لأجل حماية النفس البشرية من الهلاك، ثم وجدت طريقها الى ان أصبحت عملا شائعا في المجتمع الدولي المعاصر، وعادة ما يتم بناءها على قواعد تم تضمينها في اطار القانون الدولي الانساني لاغاثة المدنيين المتأثرين بالنزاع المسلح، او النص على قواعد وآليات لاغاثة المتضررين من الكوارث والأزمات، حيث عقدت العديد من المؤتمرات وافرزت الكثير من الوثائق المعنية بتنظيم عملية تقديم المساعدات الانسانية.
ويمكن أن تقدم أعمال الأغاثة في زمن السلم أو في زمن النزاعات المسلحة، ففي زمن السلم تقدم أعمال الإغاثة للمدنيين في حالات التوتر والاضطرابات الداخلية والأزمات الطبيعية مثل الزلازل والفيضانات، وفي زمن النزاعات المسلحة تقدم للمدنيين المحرومين من أساسيات الحياة بسبب النزاع. وهناك حالة تقدم فيها اعمال الاغاثة يطلق عليها (حالات الطوارئ المعقدة)، والتي يمكن أن تشمل كوارث متعددة بما في ذلك الكوارث الطبيعية وكوارث من صنع الانسان مثل النزاع.
والمساعدات الانسانية هي عملية يقدم فيها مواد الإغاثة كالأغذية والأدوية والملابس لضحايا النزاعات والكوارث اثناء وبعد انتهاء النزاع للمخيمات مثلا، وذلك بموافقة حكومة الدولة المعنية، وغالباً ما تقوم بها هيئات مستقلة ومحايدة كاللجنة الدولية للصليب الاحمر، او منظمات الهلال الاحمر، او اطباء بلا حدود، ويمكن ان تقدم مواد الاغاثة وكالات الامم المتحدة او دولة او عدة دول بتكليف من الامم المتحدة، وكل ذلك بغية التخفيف من المعاناة وحماية الحق في الحياة وإعادة الأوضاع الى طبيعتها كخطوة نحو بناء واستقرار السلام.
ولا تقف المساعدات الانسانية على المنظمات الدولية فحسب وانما من الممكن ان تقوم بها بعض الدول، وتواجه المنظمات الإنسانية المحلية والدولية المعنية بأمور اللاجئين والنازحين في الفترات التي تعقب النزاع صعوبات كبيرة في عملية توزيع المساعدات المالية في مختلف المناطق على النازحين وخصوصاً اللاجئين والنازحين الذين يتنقلون بشكل دائم. وكذلك ما يتعلق بالتوزيع والانتظار لساعات في طوابير توزيع المساعدات المالية من قبل المنظمات الدولية المعنية، بالإضافة الى استخدام آليات وإجراءات تقليدية صعبة ومعقدة اثناء توزيع المساعدات المالية والانسانية.
من أهم صور التعاون الدولي في فترات ما بعد النزاع وفي أوقات النزاع كذلك هو أن تقوم بعض الدول من تلقاء نفسها أو بتوجيه من منظمة أو منظمات انسانية أو منظمة الامم المتحدة أو أي منظمة إقليمية معنية، بتقديم معونات ومساعدات للمتضررين من النزاع المسلح، وهم إما أن يكونوا نازحين من مواقع القتال إلى أقاليم الدول المجاورة، وهنا لا يوجد قيد يحد الدولة المتعاونة إذا كانت هي دولة الإقليم المستقبل، ويشترط قبول هذه الدولة أو طلبها في حال ما إذا كانت الدولة المتعاونة ليست دولة الإقليم، أو أن يكون هذا التعاون محكوما بالضوابط التي قررتها توصية منظمة انسانية أو منظمة أخرى معنية، وأما أن يكون المتضررون ما زالوا في ميادين القتال أو داخل الأراضي التي احتلتها القوات المعادية، إذ يتعين أن يراعي في تلك الحالة أن يكون العون والمساعدة وفق الضوابط التي تضعها الدولة المسيطرة وتحت رقابتها، شريطة أن لا تتعسف الأخيرة في ذلك، وإلا عد مخالفا للقانون الدولي.
جدير بالذكر أن تقديم الدول أو المنظمات الإنسانية لمواد الإغاثة لا يعتبر عملاً عدائياً أو تدخلاً في الشؤون الداخلية لأية دولة، ولا في النزاع الدائر بين الاطراف، ويجب على الدول أن تسمح بمرور مواد الاغاثة عبر أراضيها، بأن تكفل مرور جميع مواد الأدوية والأغذية حتى ولو كانت لخصم، ولها الحق في أن تفتش هذه القوافل وأن تنظم النقل حسب جدول زمني معين أو خط سير محدد، ويتم تقديم المساعدات وتنفيذها بآليات هي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الحكومية والمنظمات غير الحكومية وأحيانا المنظمات الوطنية والاقليمية.
إن المنظمات غير الحكومية الناشطة في مجال حقوق الانسان وبناء السلام يمكنها إكتساب الشرعية وقدر اكبر من المصداقية عبر إثبات فاعليتها وتاثيرها القوي والمحددين بشكل واضح عبر الأغراض والجهات الواضحة، وقد طورت هذه المنظمات منظومة من التقارير عن الوضع في المجتمعات التي شهدت نزاعات عنيفة، كما تنشر هذه المعلومات للعامة في تقارير سنوية وعلى مواقعها الخاصة على الشبكة العنكبوتية (الانترنيت)، وقد عززت منظمات كثيرة ممارسة الشفافية فيما يتعلق بعمليات اتخاذ القرارات داخل تلك المنظمات، بهدف تحديد تأثير انشطتها بشكل افضل وتحسين أدائها لدى معالجة اسباب النزاعات.
فاللجنة الدولية للصليب الأحمر تعاونت مع لجان الحقيقة والمصالحة على اختلاف أنواعها وفي العديد من مجتمعات ما بعد النزاع، حيث من شان لجان الحقيقة القيام بدور حيوي في مرحلة ما بعد النزاع التي يمر بها المجتمع لإعادة بناء العلاقات الاجتماعية التي تمزقت عن طريق إعطاء صورة دقيقة للأسباب التي أدت إلى نشوب النزاع، كما توثق الانتهاكات التي ارتكبت خلال فترات العنف وتحمل المسؤوليات وتحث أطراف النزاع على إجراء حوار بشان ما حدث في الماضي وبالتالي الإسهام في عملية المصالحة.
في الوقت نفسه تتولى اللجنة الدولية للصليب الأحمر في إطار التفويض الممنوح لها عدة مهام في ظل الظروف التي تشهدها مرحلة ما بعد النزاع، فبخلاف تقديم المساعدات الإنسانية، تتولى مساعدة الضحايا من خلال أنشطة إعادة التأهيل والبناء وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه، وزيارة الأشخاص المحتجزين في إطار النزاع والعمل على إطلاق سراح الأسرى وإعادتهم إلى وطنهم. كما يشمل دورها البحث عن المفقودين وتيسير لم شمل الأسر واستجلاء مصير الأشخاص المفقودين بعد قيام الطرف الخصم بالإبلاغ عن اختفائهم، وحث الدول والمجتمع المدني على اتخاذ خطوات نحو تنفيذ معاهدة (اوتاوا) الخاصة بحظر الألغام المضادة للأفراد والحد من استخدام المتفجرات من مخلفات الحرب والآثار الناجمة عنها التي وقعتها 123 دولة في مدينة اوتاوا بكندا عام 1999. ومن أنشطتها كذلك البحث عن المفقودين، ونقل مواد الإغاثة إلى السكان المدنيين الذين يتعرضون للمجاعة بسبب الحرب كنقل المواد الغذائية والأدوية والملابس إلى تلك الدول التي شهدت نزاعا مثل افغانستان وكمبوديا.
ونرى ضرورة وجود الشفافية وعدم إفساد المساعدات التي تقدم من الدول المانحة للدول التي خرجت من النزاعات، وان تكون المصلحة الوطنية فوق الإعتبارات والمصالح الشخصية سواء بالنسبة للقادة او لجميع المعنيين بصورة عامة.