عشرة شهور ولا زال السودانيون يرددون ``لازم تقيف``
الزين عثمان
في شهرها العاشر لم تترك حرب السودان مكان الا والتهمته نيرانها. آلاف القتلى والمصابين ملايين النازحين. أسر في العراء، هائمون في الطرقات لا يلوون على شيء. المدن تحت القصف أو صارت بيوت اشباح بعد ان غادرها اهلها طلباً للنجاة. هنا وبتعبير الشاعر السوداني عاطف خيري حتى الناجي من الذبح صار يعبد خنجراً.
في سودان سكاكين الحروب الطويلة ما زال هناك. من يرفع رايات السلام البيضاء متزامناً ذلك مع دعاوي تجييش الشعب والنداء عليه لمقاومة المليشيا. دعوات يرددها ذات من صنعوا قوات الدعم السريع ذات صباح سوداني ومن ثمة شرعنوا وجودها لاحقاً عبر المجلس التشريعي.
حسناً وفي الوقت الذي يحتشد فيه الالاف في الميادين برفقة سلاحهم استعداداً لخوض المعركة يسبقهم توصيف "المستنفرين"، ما زال هناك من يتمسك بموقفه الرافض للحرب وبشعاره "لازم تقيف"، وهوالشعار الذي خرج صبيحة الحرب من الرافضين لها ولاستمراريتها.
في شهرها العاشر تطرح حرب السودان سؤالها هل تراجعت دعوات ايقافها وضاعت في صدى اصوات البنادق التي يلوح بها المستنفرون في انتظار خوض معركة الكرامة، ام ان التسليح وانتشاره ضرورة اخرى لاستمرار المطالبة بايقافها؟
في رحلاتهم المكوكية وهم يتنقلون بين الدول والعواصم لا يزال قادة تحالف "تقدم" بزعامة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك يواصلون جهودهم من أجل ايقاف الحرب، متعهدين بذل كل ما يستطيعون لتحقيق تلك الغاية. وفي هذا السياق اعلنت "تقدم" استعدادها لمقابلة رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش الفريق البرهان في اي مكان يحدده. لكن فيالمقابل "لا للحرب" التي تعلنها "تقدم" تجد نفسها في مواجهة حملات التشكيك ووصف انها كلمة حق أريد بها باطل.
يرى الكثيرون في تحركات "تقدم" بانها تأكيد على ان خيار ايقاف الحرب ما زال هو خيار طيف واسع من السودانيين بمختلف توجهاتهم، ويتمنون لو ان هذه الخطوات نجحت في وضع نهاية لمعاناتهم. وما يعزز خيار الرغبة في ايقاف الحرب هو الحالة من الفرح التي يستقبل بها السودانيون اي خبر يؤكد على جدية الاطراف في استئناف التفاوض، واللجوء للحلول السلمية . أكد على ذلك ردة الفعل التي صاحبت تسريبات حول لقاء جمع الفريق شمس الدين الكباشي مع عبد الرحيم دقلو للتفاكر حول اليات ايقاف الحرب، وهي خطوة وجدت ترحيباً اكثر من الرفض، وان لم تغيب عنها التساؤلات حول جدواها ومدي علاقتها وارتباطها بمنابر التفاوض الاخرى وعلى راسها منبر جدة، خصوصاً في ظل اقتناع كثيرين بانها حرب بلا منتصر.
فرضية كونها حرب بلا منتصر، وفي ظل تداعياتها السلبية، انخرط كثير ممن كانوا يدعمون خيار "بل بس" في خيار "لازم تقيف"، وصاروا داعمين لخيار ايقاف الحرب ونزيفها المستمر وأن لا طريق نحو نهايتها غير طريق التفاوض وان اعترضته المتاريس.
سيصبح كباشي بطلاً لو نجح في ايقاف الحرب بطلاً في عيون المشردين وعيون الامهات المقيمات في مدارس لا تقيهم زمهرير البرد. وبطلاً في عيون الاطفال الراغبون في العودة لمدارسهم، وفي عيون الشباب الراغبون في اكمال دراساتهم الجامعية. سيكون بطلاً في عيون سودانيات لا يرغبن في شيء اكثر من رغبتهن الجلوس على شاطئ النيل عند المقرن. سيكون بطلاً في عيون شيخ سوداني رغبته ان يعود الى منزله في امدرمان لينهي ما تبقي من عمره. سيكون بطلاً في عيون متطوعي مستشفى النو الراغبون في العودة لحياتهم الطبيعية بعيداً عن الاشلاء والدماء. وسيكون بطلا في عيون الخرطوم التي تنتظر سلامها فقد انهك اهلها الموت في زمان حرب العبث.
هؤلاء فقط من ينتظرون السلام وهم نفسهم من يرجح كفة الحياة في مقابل كفة الموت. وهم نفسهم من يجعل خيار "لازم تقيف" مرجحاً على خيار "بل بس".