روسيا تتهيأ لدور جديد في استقرار الإقليم عبر التعاون الأمني مع تشاد
عبدالله رزق أبوسيمازه
لم تكن تشاد، كما تبدو، جزيرة من الاستقرار وسط محيط هائج من العنف والنزاعات والحروب الصغيرة. إذ أن السلم التشادي الظاهري، ظلت تتخلله الاضطرابات الداخلية، على الاقل، والتي كان لها تأثيرها الكبير على التطور السياسي للبلاد، بما في ذلك الوضع الراهن، الذي أفرزه مقتل الرئيس السابق إدريس ديبي. ومع ذلك تنخرط تشاد في جهود دعم السلام والاستقرار والأمن، فيما وراء الحدود. حيث تنسق مع السودان، عسكريا، لضبط الحدود المشتركة، للحد من نشاط المعارضة المسلحة في البلدين. ومع التزامها بالحرب بجانب نيجيريا وكاميرون ضد بوكو حرام، على شواطيء بحيرة تشاد، فإنها - وبعد انسحاب النيجر ومالي وبوركينا فاسو، من مجموعة الخمسة الساحلية - أكدت، هي وموريتانيا، إلتزامهما بسياسة الحلف العسكري، الذي كان يضمهما مع البلدان الثلاثة، إلى جانب فرنسا، في الحرب على الجماعات الجهادية في المنطقة، وذلك بعد انسحاب القوات الفرنسية من مالي، ونهاية عملية براخان، التي اعتبرت، في نظر بعض المراقبين، نهاية للحلف.
وفي خطوة دراماتيكية اتفقت تشاد وروسيا، يوم الأربعاء الماضي، على العمل معا، عبر "تكثيف الاجراءات المشتركة لتحقيق الاستقرار في المنطقة"، وفق بيان صادر من وزارة الدفاع الروسية. واتفق البلدان، حسب البيان "على تعاون عسكري وفني" بينهما. المسؤوليات الجديدة التي يرتبها هذا التقارب والتعاون التشادي مع موسكو، بجانب ما يهيؤه لروسيا من دور جديد وإضافي في الإقليم، تعني بدرجة كبيرة، جمهورية افريقيا الوسطى، وإن لم تستبعد السودان. إذ تدعم انجمينا جبهة معارضة مسلحة، تسيطر على ثلثي البلاد، يتزعمها رئيس إفريقيا الوسطى الأسبق، فرانسوا بوزيزيه، للإطاحة بحكم الرئيس جان فرانسوا تواديرا، المدعوم من موسكو والمحمي بمجموعة فاغنر. وكانت تشاد قد دعمت جبهة مماثلة، أطاحت بالرئيس الأسبق انج-فيليكس باتاسيه، وأحلت محله بوزيزيه ، عام 2003.
من شان هذا التطور المفاجيء في العلاقات الدولية، أن يثير قلق فرنسا وحلفائها الأوروبيين والأمريكيين. وقد يعجل بخروج فرنسا، والقوات الفرنسية، من تشاد. فالمشاعر الشعبية المعادية لفرنسا، في مستعمراتها السابقة: النيجر، مالي، بوركينا فاسو، لها حضورها، أيضا، في تشاد. تتزامن زيارة رئيس الفترة الانتقالية في تشاد، الجنرال محمد كاكا، لموسكو، والتقائه بالرئيس الروسي بوتين، حيث اتفقا على ترقية علاقات بلديهما، مع تدهور في علاقات بلاده بالسودان، على خلفية اتهامات لها، بتمرير مساعدات عسكرية إماراتية، عبر مطاراتها لقوات الدعم السريع. وقد نفت انجمينا- وكذا فعلت ابوظبي- ما ورد في تقرير أممي، صدر مؤخرا، يدعم تلك الاتهامات التي اطلقتها الخرطوم. لروسيا علاقات مع السودان، خاصة في مجال تجارة الذهب واستثماراته. والتي كانت -في اجواء التكالب الدولي على القارة - موضوع حملة غربية منسقة ضد روسيا، عشية حربها مع أوكرانيا، تمحورت دور مزعوم للذهب السوداني في تمويل تلك الحرب. ويبرز الدعم السريع، الذي زار قائده الجنرال محمد حمدان دقلو، موسكو، في وقت سابق، في إطار تلك العلاقات السودانية -الروسية، مما يجعل التقارب الروسي -التشادي ذا مغزى، بالنسبة للسودان،في ظل أزمته المستحكمة، وتعقيداتها.