جامعة الدول العربية.. من ``النكسة`` الى حرب أبريل في السودان
خالد ماسا
وعلى أيام " النكسة" العربية في العام 1967 وعلى أيام تنكيس أعلام دول الجامعة العربية على خلفية الهزيمة إحتاج مجموع الدول المنضوية تحت مظلة الجامعة العربية الى موقف ينقذ عنقاء الرماد من دمار الهزيمة والانكسار .
كان ذلك التوقيت الدقيق لحاجة دول وشعوب الجامعة لامتصاص تأثيرات زلزال الهزيمة العسكرية التي أرادت دولة الاحتلال أن تسنده بانتصار سياسي يفرض الامر الواقع وفقاً لنتيجة الميدان وتكتب السطر الآخير في سفر قضية العرب المركزية كانت الخرطوم العاصمة السودانية هي الحاضرة على أيام الفقر والعوذ في المواقف ترفع سبابتها بلا.. وتفتح ابوابها ومُقرن النيلين فيها لتقول بأن لدول وشعوب الجامعة قضية لن تنتهي بخسارة معركة وأن الحرب لازالت طويلة ولتضيف القمة العربية التي إستضافتها آنذاك لهُتاف " خيبر" الموجٍع للعدو هتاف " اللاءآت الثلاثة" بأن لا سلام.. ولا إعتراف ولاتفاوض والتي كانت حجر الاساس لانتصار جبر كسر دول جامعة الدول العربية وشعوبها في حرب 1973.
والآن .. الان وبعد 56 عام والزمان " مسغبة" في الإرادة لدى جامعة الدول العربية تاتي النكسة لخرطوم اللاءآت الثلاثة على ظهر حرب أبريل فلاترد الجامعة تحية قمة 1967 باحسن منها ولو بلا واحدة يحتاجها الشعب السوداني الآن ألا وهي " لا للحرب" .
الإصابة بفيروس نُقصان الإرادة لدى جامعة الدول العربية أصاب جهاز المناعه لدى قراراتها ومواقفها المكتوف بحبال الميثاق والدستور والمصلوب على أعمدة الشجب والادانة وإبداء الانزعاج وكل ما يرِد من مجاملات في بيانات الامانة العامة لجامعة الدول العربية والتي لايتغير فيها شيء غير تاريخ الاصدار متى ماتجددت النكسات في دولة هي عضو فيها .
أصاب سهم الحرب دمشق سوريا وصنعاء اليمن وطرابلس ليبيا وبغداد العراق وخرطوم السودان ولازالت إجتماعات " القمة" لدول جامعة الدول العربية تقودنا الى " قاع" مواقف الخزلان لشعوب أذاقتها الحروب هوان النزوح وزلّة اللجوء والتشريد ولم تجد في محنتها سوى مواقف وبيانات لا يُمكِن رؤيتها بالعين المجرّدة من فرط هوانها وقلة حيلتها .
حرب أبريل في السودان وعلى الرُغم من مرارة دروسها وإرتفاع كُلفتها من الدم السوداني إلا أن الواجب الوطني يُحتم علينا أخذ العبرة والاعتبار منها وأن نتخذ منها نقطة البداية لإعادة ترسيم خطوط "الكنتور" في العلاقات الدولية ومراجعة الارتباط الاقليمي والدولي بعيداً عن أوهام الهموم المشتركة وجمعيات وجامعات العلاقات العاطفية التي لا تُطعِم من جوع ولا تؤمن من خوف.
منذ آجتماع المبعوثين الدائمين للدول الأعضاء في جامعة الدول العربية المنعقد في الاسابيع الاولى للحرب التي تبعد الآن عن إكمال عامها الأول بشهرين، إكتفت الأمانة العامة لجامعة إبداء القلق والشجب والإدانة بالجلوس على مقاعد المتفرجين على شعب يدفع تكاليف الحرب يوما بعد يوم. وكانت الأولوية في الاجتماعات الغير عادية لوزراء خارجية دول الجامعة هي لعودة سوريا " بشار" للحضن العربي بينما جاءت حرب السودان على هامش المناقشات .
حرب أبريل المندلعة في السودان، والتي تصل فيها الأرقام التي تُحصي ضحاياها المدنيين لمايزيد عن 12 الف وتقارب أحصاءآت النزوح فيها الى 10 مليون نازح واللاجئين إلى مليونين ويبقى فيها مايقارب 29 مليون سوداني تحت تهديد المجاعة، لا تستطيع الجامعة العربية أن تحفظ ماء وجهها بحبر تصريحات الشجب والإدانة والمقابلات البرتكولية .
منذ إنعقاد أول قمة عربية في مصر في العام 1946 وحتى قمة الجزائر 2022 إنعقدت (31) قمة عربية، ومنذ عهد عبد الرحمن عزام "جيفارا العرب" وحتى عهد ابوالغيط، لم تتعلم الجامعة شيئاً من خيباتها ولم يتحرر دستورها وميثاقها وبسبب ضيق ذات اليد غابت حتى مساعداتها الانسانية وتقدمتها في صلاة الفرض العربي المنظمات الاقليمية (الاتحاد الأفريقي / مجلس التعاون الخليجي) وصار موقفها هو النافلة في قضايا تعتبر أصل من أصول أهدافها ومسؤولياتها .
يحتاج سودان ما بعد الحرب إلى مراجعات جذرية على مستوى إرتباطاته الدولية والإقليمية تاسيساً على المصلحة الوطنية وان ينفض يد علاقاته من كل عبء دبلوماسي يثقل كاهل علاقاته الدولية بتكوينات (ديكورية) لا شاهد على وصفنا لها أكثر من تمدد مساحات "التطبيع" وتقلص مساحات صناعة إرادة عربية مشتركة لمعالجة هموم دول الجامعة العربية والتي بموجبها تأسست الجامعة .
تحتاج الجامعة العربية الى عمل حقيقي يطور آلياتها ووسائل تحقيق أهدافها ولقراءة بعين فاحصة لجذور أزمات الدول الأعضاء فيها وخلق وزن حقيقي للجامعه يرجح كفة مواقفها في القضايا الدولية وخاصة وأنها تمتلك ما تستطيع إستخدامه للتأثير على مؤشرات الاقتصاد العالمي وألا تترك الرسن في يد الآخرين ليستخدموه لاخضاع إرادة الدول الأعضاء .