18/02/2024

تعزيز السلام والتنمية المستدامة: التزام حقيقي من قبل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا

تسلم خطة التنمية المستدامة لعام 2030، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 25 سبتمبر 2015، ليس فقط بأن السلام والأمن شرطان أساسيان لتحقيق التنمية المستدامة، بل وبأن التنمية المستدامة هي الطريق إلى قيام مجتمعات تتمتع بالسلام.

وتتسم هذه الخطة الجديدة التي يشكل السلام بؤرة تركيزها بطبيعتها الطموحة والشاملة للجميع، وهي حريّة بأن تكون مدخلا لروح تضامن عالمي جديدة. وهي تؤذن ببدء حقبة إنمائية جديدة بفضل ركائزها الخمس، المتمثلة في السلام والإنسان وكوكب الأرض والازدهار والشراكات. ولن تتسنى ترجمة أهدافها السبعة عشر، التي تتضمن 169 غاية، إلى عمل ملموس على أرض الواقع إلا إذا حظيت بدعم ومشاركة جميع أصحاب المصلحة الرئيسيين، بما في ذلك الحكومات والمجتمع المدني وقطاع الأعمال والأوساط الأكاديمية والبرلمانات والمنظمات الدولية. وتعرب منظمة الأمن والتعاون في أوروبا عن استعدادها لأداء دورها في الإسهام في هذا الجهد العالمي الحاسم باعتبارها أكبر منظمة أمنية إقليمية في العالم، في إطار الفصل الثامن من ميثاق الأمم المتحدة.

كما أن مفهوم المنظمة للأمن الشامل، الذي يضم في حناياه الجوانب السياسية والعسكرية والاقتصاد والبيئية، وحقوق الإنسان والديمقراطية، متسق تماما مع خطة عام 2030. ولا شك في أن الوثيقة التأسيسية للمنظمة، أي وثيقة هلسنكي الختامية، قد سلّمت، في عام 1975، بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، باعتبارها أساس التنمية المستدامة، على نحو يتفق مع مفهومها الراهن. وقد توصلت الدول المشاركة في المنظمة، خلال العقود التي انقضت منذ ذلك الحين، إلى توافق في الآراء بشأن عدد من الالتزامات السياسية الأخرى ذات الصلة، بما في ذلك وثيقة استراتيجية المنظمة المتعلقة بالبُعد الاقتصادي والبيئي (وثيقة ماستريخت)، التي وضعتها المنظمة في عام 2003، والتي ينصب تركيزها على التنمية المستدامة وتحدد إجراءات ومجالات معيّنة للتعاون. وهي تعد من العناصر الأساسية في جهود المنظمة الرامية إلى دعم خطة التنمية المستدامة لعام 2030.

السلام
ولم يكن تركيز خطة التنمية المستدامة لعام 2030 على السلام من قبيل المصادفة، وهو يأتي في وقت حرج بالنسبة إلى الأمن العالمي والإقليمي. فقد عادت النزاعات المسلحة مرة أخرى لتصبح حقيقة واقعة في منطقة المنظمة التي تتزايد فيها الانقسامات، مما يزعزع أسس الأمن الإقليمي والدولي على حد سواء. وتزيد من تفاقم هذه التحديات الأمنية طائفة من التهديدات عبر الوطنية والعالمية الجديدة، التي تتناولها أيضا خطة عام 2030.

ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا وكالة أمنية في المقام الأول. ويتيح مفهومها الأمني الشامل، بجانب عضويتها الواسعة المكونة من 57 دولة مشاركة، أساسا متينا لتعزيز التنمية المستدامة. وبما أن خطة عام 2030 تعزز العلاقة الوثيقة بين السلام والأمن والتنمية، فإن المنظمة ستسهم في تنفيذها على الأرجح من خلال المشاركة، في المقام الأول، في جميع مراحل دورة النزاع، ابتداء من الإنذار المبكر والوقاية وعبر إدارة الأزمات حتى تسوية النزاعات والإنعاش بعد انتهائها. وهي تشارك بفعالية في تعزيز الأمن على مستويات متعددة، من خلال شبكة عملياتها الميدانية التي تنفذ في أكثر من اثني عشر بلدا، وأنشطة أمانتها ومؤسساتها وجمعيتها البرلمانية. ويشار في ذلك بوجه خاص إلى عملياتها الميدانية؛ التي لا تقتصر على تقديم الدعم لجهود الإصلاح في الأجل الطويل، بل تشمل أيضا المساعدة في متابعة رصد الأحوال في سياقات محددة، من خلال الإنذار المبكر وتقديم الدعم وإمكانية التدخل المبكر في حالة ظهور أزمة، ورصد تنفيذ تدابير تسوية النزاعات، أو مساعدة البلدان في جهودها تجاه إعادة التأهيل والمصالحة بعد انتهاء النزاعات. وفي الوقت نفسه، تتسم بذات القدر من الأهمية لتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة أنشطة المنظمة في مجال تدابير دعم بناء الثقة وتعزيز الأمن، من خلال تحديد الأسلحة والشفافية في الشؤون العسكرية والحوار.

الشعوب
تمثل كفالة السلام الدائم والازدهار والاستقرار لأكثر من بليون شخص في أمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا أحد الأهداف الرئيسية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا. ويساعد الدعم الذي تقدمه المنظمة من أجل تعزيز مؤسسات الديمقراطية وكفالة سيادة القانون وحماية حقوق الإنسان على تعزيز التنمية المستدامة. وتتعزز هذه الجهود عبر المشاركة النشطة لأعضاء الجمعية البرلمانية للمنظمة، الذين تجعلهم صفتهم البرلمانية من أصحاب المصلحة الرئيسيين المحددين في خطة عام 2030. وقد طورت المنظمة أيضا أدوات وبرامج محددة مصممة خصيصا لمساعدة الحكومات على معالجة الأسباب الجذرية للتعصب والتمييز، وستواصل تعزيز الشمول والتسامح مع التنوع والتكامل المجتمعي. وإذ تسلم المنظمة بأن التدفق الحر للمعلومات يتسم بأهمية شديدة في الحفاظ على السلام ودفع عجلة الديمقراطية وكفالة تحقيق التنمية المستدامة، ستواصل دعمها لحرية وتعددية وسائط الإعلام في جميع الدول المشاركة.

ويشكل تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة حجر الزاوية في النهج الأمني للمنظمة، الذي يحمي ويعزز حقوق الإنسان وكرامة المرأة والرجل، ويدعو إلى المشاركة الكاملة والمتكافئة للمرأة في المجتمع، في أوقات السلم وفي حالات النزاع معا. وتمتثل أنشطة المنظمة الرامية إلى تمكين النساء والبنات وكفالة مشاركتهن الكاملة والفعالة في الحياة السياسية والاقتصادية والعامة، والقضاء على جميع أشكال العنف ضدهن، امتثالا كاملا إلى مقتضيات خطة عام 2030.

ولن يتسنى التصدي لتحدي الهجرة على الصعيد العالمي إلا من خلال نهج تعاوني قائم على الحقوق، ويكفل أن يكون للهجرة دور عامل قوي ومستمر في حفز التنمية. وتعتبر أطر سياسات الهجرة التي تتسم بالكفاءة، بما في ذلك أطر السياسات الإقليمية، عنصرا أساسيا لتيسير الهجرة الآمنة والمسؤولة وتنقل الأفراد. وستواصل المنظمة أداء دور منتدى شامل للحوار وتوفير الخبرة اللازمة لتيسير إدماج المهاجرين واللاجئين وكفالة الإدارة الفعالة لهجرة اليد العاملة وتعزيز حرية التنقل، وتحقق بذلك فوائد للتنمية المستدامة.

كوكب الأرض
تدرك المنظمة أن العلاقة ذات الاتجاهين التي تربط البيئة والأمن والتحديات البيئية قد تكون مصدرا للنزاعات، وأن التعاون البيئي قد يكون أداة لمنع نشوب النزاعات وبناء الثقة. وستواصل الإسهام في المناقشات الدولية بشأن المسائل البيئية من منظور أمني وتوجه اهتمامها نحو تحويل المخاطر البيئية إلى فرص للتعاون، مع التركيز على المجالات المواضيعية التالية:

• أن المياه من المسائل الشاملة في مجال التنمية المستدامة وتشكل عنصرا لا غنى عنه في نهج المنظمة الأمني الشامل. وتدعم المنظمة الدول المشاركة فيها في مجال الإدارة المشتركة لموارد المياه، وتشجع ترشيد إدارة المياه من خلال تنفيذ مشاريع على الصعد الإقليمية والوطنية والمحلية. وستواصل توظيف الإمكانات الكاملة التي تتيحها دبلوماسية المياه لتعزيز الأمن والاستقرار في منطقتها.
• أن الكوارث بنوعيها الطبيعي والذي من صنع الإنسان تمثل تحديا صعبا آخر لكل من الأمن والتنمية المستدامة. وستواصل المنظمة دعمها لجهود الحد من أخطار الكوارث عن طريق التوعية وتعزيز القدرات داخل البلدان وفي ما بينها. وسيكون إطار سنداي للحد من مخاطر الكوارث للفترة 2015-2030 مرجعا هاما في هذا المسعى.
• أن خطة عام 2030 تدعو إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي لتغير المناخ. وقد خلص المشاركون في المناقشات التي جرت خلال مناسبة أمنية مكرَّسة لتغير المناخ والأمن، عقدتها المنظمة في إطار أيام الأمن، في أكتوبر 2015، إلى أن المخاطر المتعددة التي يشكلها تغير المناخ تتطلب استجابة متعددة الأبعاد. ويقول بعض الخبراء إن تغير المناخ لم يعد مجرد ‘‘عامل مضاعفة للتهديد’’ الأمني، بل ‘‘عاملا حافزا للتهديد’’. إلا أن التعاون في مجالي التصدي لتغير المناخ ودبلوماسية المناخ يشكل أيضا نقطة انطلاق جيدة لمنع حالات النزاع وتعزيز الثقة. وستستفيد المنظمة من الزخم السياسي العالمي الناشئ عن اتفاق باريس لعام 2015 بشأن تغير المناخ، لتواصل تحليل الآثار الأمنية لتغير المناخ والتوعية بشأنها، وتحديد النقاط الجغرافية الساخنة، ومساعدة الدول المشاركة في المنظمة على وضع استراتيجيات للتكيف وتنفيذها، لا سيما في السياقات العابرة للحدود.
• أن الإدارة السليمة بيئيا للنفايات الخطرة والمواد الكيميائية السامة ومنع نقلها غير المشروع عبر الحدود هي أيضا مجالات تتوفر لدى المنظمة خبرة واسعة فيها تصلح لمساعدة الدول المشاركة. ومن شأن هذه الخبرة، إلى جانب مبادرات زيادة كفاءة استخدام الموارد، أن تسهم في كفالة وجود أنماط استهلاك وإنتاج مستدامة.
• أن المنظمة تشجع أيضا ترشيد إدارة الشؤون البيئية. وتسهم شبكة مراكز آرهوس التي تدعمها المنظمة، والتي تشمل الآن 60 مركزا في 14 دولة من الدول المشاركة، في تحقيق السلام والديمقراطية والتنمية المستدامة من خلال تعزيز إمكانية الحصول على المعلومات ومشاركة الجمهور وفرص الوصول إلى العدالة، علاوة على الشفافية والمساءلة.
• أن المنظمة وفر منبرا للحوار بشأن أمن الطاقة والتعاون وتبادل المعلومات وتقاسم أفضل الممارسات بشأن التنمية المستدامة والطاقة المتجددة والكفاءة في استخدام الطاقة؛ وستواصل أداء دور هام في مجال تطوير نهج مستدام تجاه أمن الطاقة، من خلال الجمع بين البلدان الرئيسية المنتجة للطاقة وبلدان المرور العابر والبلدان المستهلكة.

الازدهار
تعد الإدارة الاقتصادية الرشيدة وسيادة القانون والتنمية الاقتصادية المنصفة من الشروط المسبقة لقيام مجتمعات ودول تتمتع بالسلام والازدهار. وستسهم منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في تنفيذ خطة عام 2030 من خلال أنشطتها في مجالات تعزيز التعاون الاقتصادي الدولي وتحسين مناخ الأعمال التجارية والاستثمار وتبسيط الأطر التنظيمية ومكافحة الفساد وغسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وتؤدي الأنشطة الدولية للتجارة والنقل أيضا دورا حيويا في التنمية الاقتصادية الإقليمية. وفي معظم الأحوال تشكل الموانع الإجرائية و ”البيروقراطية المفرطة“ عند المعابر الحدودية عائقا أمام التجارة الدولية والاستثمار الأجنبي، مما يرفع تكاليف المعاملات التجارية ويؤخر حركة السلع عبر الحدود. وستواصل المنظمة مساعدة الدول المشاركة فيها على وضع سياسات أكثر كفاءة بشأن إجراءات الحدود والنقل والمعاملات الجمركية، مع الحفاظ على المعايير الأمنية العالية في الوقت نفسه.

الشراكات
يمتد تأثير الحوار الشامل لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا إلى خارج حدود الدول السبعة والخمسين المشاركة في المنظمة. وتتيح العلاقات الوثيقة التي أقامتها المنظمة مع البلدان الشريكة في المنطقة الجنوبية لحوض البحر الأبيض المتوسط وفي آسيا، إمكانية تبادل أفضل الممارسات بشأن مسائل كثيرة تؤثر على الأمن في منطقتها والمناطق المجاورة.

وتعمل المنظمة أولا وقبل كل شيء على كفالة تضافر جهودها مع جهود الأمم المتحدة وكثير من المنظمات الدولية والإقليمية الأخرى كذلك، بغية تطوير استجابات فعالة للتحديات التقليدية والناشئة وتنفيذها. وتعتبر المبادرة المتعلقة بالبيئة والأمن مثالا ملموسا لهذا النهج. وتتيح الشراكة التي أقامتها المنظمة منذ وقت طويل مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا والمركز الإقليمي للبيئة في أوروبا الوسطى والشرقية إمكانية تنفيذ عمل بيئي منسق دعما لخطة عام 2030. وبرغم وجود أمثلة كثيرة أخرى لشراكات المنظمة في مختلف مجالات التنمية المستدامة، لا تزال هناك أيضا إمكانات كبيرة لتعزيز التعاون مع المؤسسات المالية الدولية والقطاع الخاص والمجتمع المدني من أجل وضع الأسس لقيام تحالف قوي وضروري لتنفيذ الرؤية الطموحة والصعبة لخطة التنمية المستدامة لعام 2030.

التعاون عنصر أساسي
يتزايد تعقيد وتشابك التحديات العالمية والعابرة للحدود الوطنية ويتفاقم تبعا لذلك التهديد الذي تمثله للتنمية المستدامة، والذي لا يستطيع أي بلد أن يعالجه بمفرده. ويعد هذا من الأسباب الرئيسية التي تدفع المنظمات الإقليمية، مثل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، إلى أداء دور هام في مجال دعم خطة عام 2030. وستواصل المنظمة أداء دور منتدى شامل للحوار والتعاون بشأن المسائل الأمنية ذات التأثير المباشر على التنمية، بحيث تنشأ صلة قوية بين الأمن في منطقتها والأمن على الصعيد العالمي. لكن من الضروري مع ذلك، توثيق التنسيق بين المنظمات الدولية والإقليمية والحكومات والمجتمع المدني وسائر الجهات الفاعلة المعنية، بغية إيجاد أوجه تآزر جديدة، مع كفالة التقسيم الفعال للعمل وضمان كفاءة استخدام الموارد في ذات الوقت. ولن ننجح في تحقيق السلام والرخاء للشعوب في جميع أرجاء كوكبنا إلا إذا تضافرت جهودنا.

معرض الصور