25/02/2024

خطاب الكراهية عبر مواقع التواصل الاجتماعي: سبل المكافحة 2-3

دوللي الصراف
أستاذ علم الاجتماع - الجامعة اللبنانية

ثالثًا: علاقة خطاب الكراهية بالعصبية والذباب الإلكتروني

- خطاب الكراهية والعصبية:
وفَّرَ الفضاءُ الرقمي لمستخدميه حيّزًا افتراضيّاً واسعاً يسمح بحرية إبداء الرأي في مختلف الموضوعات، وعَرْض الأفكار والأيديولوجيات، من خلال فُرَصٍ متساويةٍ في المشاركة والحوار، وإنتاج المحتوى الذي يَضُمُّ كراهيةً وغضبًا ناتجين عن العصبية المتَأصِّلَة في بنية الأفراد المعرفية والاجتماعية في مختلف المجتمعات العربية، وهي بالتالي تُشَكِّلُ مُحَرِّك السلوكيات المنتجة في الحياة الواقعية والرقمية على حدٍّ سواء؛ فالعصبية هي التي تُصَنّع الكراهيةَ في مصانعها الذهنية، ويأتي الكره نتيجةً عمليةً لذهنية مُرَكَّبَة في البنية الاجتماعية ،وليست فعلًا أصيلًا ناتجًا عن فراغ.

وتظهر تجليات العصبية بشكل واضح في المحتوى الرقمي العربي، ويؤكد ذلك د. نديم منصوري، خبير علم الاجتماع الرقمي، الذي يقول في إحدى المقابلات:

“فما نلحظه من نصوص ومشهديات مرئية عبر الوسائط الرقمية المتعددة، يُظْهِرُ جليًّا أن “الذهن العصبوي” حاضر بكثافة في المحتوى الرقمي، حيث إن مفهوم العصبية يربط الأفراد عفويًّا وإراديًّا - معًا - بوحدات اجتماعية كبرى ومغلقة كالقبيلة والعشيرة سابقًا، والعائلة السياسية والحزب السياسي العصبي والطائفة الدينية العصبية حاليًّا. وعلى الرغم من أن هذا المفهوم تراثي، نتفاجأ بأن الجيل الرقمي يسير ضمن سيرورته ووفق تعليماته، وهو ما يجعله مفهومًا حداثيًا، أو مفهومًا قديمًا جديدًا، أو مفهومًا لكل العصور” (القزاز، 2021).

ولا بد من تأكيد أن خطاب الكراهية في المجتمع الرقمي يختلف بحسب الجهة التي تُطْلِقُهُ، فهي قد تكون دولةً لديها جيش إلكتروني، يُسَوّق أفكارها ومشاريعها بأشكال مختلفة من الخطابات، وقد تكون أحزابًا أو تيارات سياسية أو دينية أو طائفية، وقد تكون جماعات منظمة أو مجرد أفراد. تشترك جميع هذه الجهات في نشر خطاب كراهية يَخْفِق بنبض العصبية، وتتعدى بذلك حدود حرية التعبير؛ لأنها تكون إستراتيجيات محكمة لتوجيه كل جماعة نحو عصبيتها. وبالتالي ينتج عن هذا التفاعل أشكال عديدة من الخطابات، التي يمكن توصيفها بخطابات الكراهية /العنصرية/ القومية/ الدينية/ الطائفية/ السياسية.- الذباب الإلكتروني وخطاب الكراهيةانتشر في السنوات الأخيرة مصطلح “الذباب الإلكتروني” الذي يُعَبِّرُ عن استخدام الحسابات المزيفة بكثافة في الفضاء الإلكتروني، سواء أكان ذلك للدفاع عن وجهة نظر معينة، أم للهجوم على وجهة نظر أخرى مغايرة.

ويُسْتَخْدَمُ الذبابُ الإلكتروني في مختلف منصات التواصل الاجتماعي (مثل: فيس بوك وتويتر)، للدفاع أو الهجوم في قضايا سياسية واجتماعية واقتصادية وفنية ودينية وغيرها، من خلال التأكيد على أن مناصري فكرة معينة أو رأي محدد هم الأغلبية.

وتحتاج هذه التقنية إلى كثير من الحسابات المزيفة؛ كي تنجح، ويتم استخدام كافة الأسلحة لتحقيق هذا الهدف، بما فيها تزييف الحقائق والسب والشتم والتخوين وتكفير الآخرين، وهذا يندرج ضمن خطاب الكراهية. وعندما يستهدف الذباب الإلكتروني شخصًا أو شركةً أو حكومةً أو دولةً أو لغةً أو دينًا أو مجتمعًا أو أفرادًا أو تقاليد معينة أو فكرًا أو عرقًا أو جنسًا يستخدم خطاب الكراهية أساسًا للمنشورات والتغريدات التي تُنْشَر في هذا السياق. وغالبًا ما تنجح هذه الحملات؛ لأنها تلعب على أوتار حساسة للناس ،مثل: الدين والعرق والانتماء واللغة والدفاع عن الحق وبقية المحفزات التي تدفع المستخدمين لكتابة المنشورات والتغريدات التي تخدم السياق ذاته.

رابعًا: مسؤولية الأمم المتحدة
قَرَّرَت الأمم المتحدة تخليد يومٍ عالمي لمناهضة خطاب الكراهية بدءًا من يونيو 2022م، حيث سيتم دعوة الدول الأعضاء إلى دعم الأنظمة الشَّفَّافَة التي يسهل الوصول إليها لتحديد ورصد وجمع البيانات وتحليل الاتجاهات في خطاب الكراهية، دعمًا للاستجابات الفعالة ضد خطاب الكراهية. كما دعت الدول الأعضاء إلى مواصلة العمل من أجل إشاعة ثقافة السلم من أجل المساهمة في إحلال السلام وتحقيق التنمية المستدامة.

واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في تموز عام 2021م، بإجماع الدول الأعضاء البالغ عددها 193، قرارا تقدمت به المغرب حول مناهضة خطاب الكراهية، ويدين أي دعوة إلى الكراهية تُشَكِّلُ تحريضًا على التمييز أو العداء أو العنف، من خلال الصحافة المكتوبة أو الوسائط السمعية البصرية أو الإلكترونية أو وسائل التواصل الاجتماعي أو غير ذلك. كما يحث القرار جميع الدول ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية وغير الحكومية والأطراف المعنية الأخرى على تعميق معرفتها بخطة العمل لمكافحة خطاب الكراهية والمبادرات الأخرى الرامية إلى تعزيز التسامح والتفاهم .كما يطالب بالقيام بتبادلات مع جميع الأطراف المعنية من أجل تعزيز فضائل الحوار بين الأديان والثقافات واحترام وقبول الاختلافات والتسامح واحترام التنوع والتعايش السلمي واحترام حقوق الإنسان.

وفي السياق نفسه، طَالَبَ القرارُ الأممي الدولَ باتخاذ تدابير فعالة طبقًا لالتزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان من أجل مواجهة هذه الأعمال والمعاقبة عليها. وشَدَّدَ على أن حرية الدين أو المعتقد وحرية الرأي والتعبير والحق في التجمع السلمي وتكوين الجمعيات متداخلة ومترابطة بشكل وثيق ويُعَزِّز بعضها بعضًا، مع التأكيد على الدور الذي يمكن أن تؤديه هذه الحقوق في مكافحة جميع أشكال التعصب والتمييز على أساس الدين أو المعتقد. ويحث الدول، التي تَتَحَمَّل في المقام الأول مسؤولية مكافحة التمييز وخطاب الكراهية وجميع الأطراف المعنية ومن ضمنهم الزعماء السياسيون والدينيون، على تعزيز الإدماج والوحدة في إطار الإجراءات المتخذة لمكافحة جائحة كورونا وإدانة ومحاربة العنصرية وكراهية الأجانب والخطاب المحَرِّض على الكراهية والعنف والتمييز، بما في ذلك الوصم والتمييز على أساس السِّنّ.

وتقود الأمم المتحدة جهودًا لمكافحة التمييز وخطاب الكراهية، وتولي ضمن إستراتيجيتها الجديدة، اهتمامًا بالإعـلام التقليدي ووسائل التواصل الاجتماعي. وهنا يأتي دور المؤسسات الإعلامية في تطوير مدونات السلوك المهني والمبادئ التي تَحثّ الصحفيين على تجنب التمييز والحض على الكراهية أثناء ممارسة عملهم. لكن ما تخشاه هذه المؤسسات أن تستغل بعضُ الحكومات مكافحة التمييز وخطاب الكراهية ذريعةً للحد من حرية التعبير والتدفق الحر للمعلومات عبر سَنّ قوانين غايتها المعلنة تنظيم العمل الإعلامي.

وفي السياق نفسه، وضعت الأمم المتحدة في عام 2019م إستراتيجية تحدد خطة عملها بشأن خطاب الكراهية، وترتكز على المبادئ الآتية:

1. تعزيز حقوق التعبير عن الرأي والتواصل كإستراتيجية مناسبة للتصدي لخطاب الكراهية.
2. المسؤولية التشاركية بين الحكومات والمجتمعات والقطاع الخاص والأفراد في مواجهة خطاب الكراهية.
3. تنشئة جيل جديد من مواطني التكنولوجيا الرقمية بهدف تمكينه من التعرف على خطاب الكراهية ونَبْذِه والتصدي له.
4. تعزيز البحوث الخاصة بالأسباب الكامنة وراء خطاب الكراهية ودوافعه والظروف المؤدية إلى ظهوره، وتنسيق عمليات الجمع والبحث.

ولتحقيق هذه المبادئ، التزمت الأمم المتحدة بضرورة تعزيز الشراكات بين الجهات المعنية بمكافحة خطاب الكراهية، بمن فيهم العاملون في قطاع التكنولوجيا ،والحكومات والمنظمات الدولية والإقليمية، وشركات القطاع الخاص ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني. كما أكدت دعمها للدول الأعضاء في مجال بناء القدرات ووضع السياسات المناسبة للحد من خطاب الكراهية. ووعدت في هذا السياق أنها ستنظم مؤتمرات دولية تثقيفية تندرج تحت إطار الوقاية والمكافحة.

وعلى الرغم من الدور الكبير الذي تقوم به الأمم المتحدة في إطار التصدي لخطاب الكراهية، فإنه ينبغي أن تولي اهتمامًا أعمق لمكافحة هذه الظاهرة، عبر تشكيل فرق قانونية عالمية تعمل على وضع تشريعات مناسبة تُلزِْمُ من خلالها شركات التواصل الاجتماعي والبلدان التي توجد فيها على مراقبة المحتوى وفق دليل علمي واضح يُطَبَّق على جميع المنصات، ويُُلْزِم جميع البلدان باتخاذ إجراءات قانونية بحق المنصات الرقمية غير المتجاوبة.

معرض الصور