16/03/2024

التفريق بين نازحي الخرطوم ونازحي مدني

ود حسب الله

من المظاهر التي أفرزها الصراع المسلح بالسودان، النزوح القسري للمواطنين باتجاه المدن الآمنة، الشيء الذي يظهر في كثير من الروايات والقصص التي تعكس محن من أضطروا للهروب بجلدهم من نيران الحرب.

حميدة امرأة حامل في شهرها الثامن. سحبت خطواتها بتثاقل وهي تلج مركز الإيواء ودمعات دافئة تنحدر على خديها، تتساءل بألم، وهي تقف أمام المسؤول، عن ملجأ لأطفالها الثلاثة الذين تركتهم على رصيف المدينة دون ماء أو طعام يسد رمقهم.

سبعة أيام متتالية وهي بهذه الحالة. رد عليها مشرف المركز ببرود "لا نستطيع قبولك بالمركز، يجب عليك مقابلة إدارة مراكز الإيواء"، ردت بحزن "ظللت اتابع إدارة مراكز الإيواء لأيام، ولم يمنحوني مجرد ظل لابنائي". رد مشرف المركز "نحن لسنا معنيين بنازحي مدني، فبحسب موجهات إدارة المراكز، تقع مسؤولية ايواء نازحي مدينة ود مدني على عاتق الهلال الأحمر السوداني". أجابت السيدة بحرقة "نعم قام الهلال الأحمر بحصرنا ومن يومها لم نرى أحد منهم، فقط نملك تذكرة صغيرة تثبت ذلك، ولكنها لا تأوي ولا تطعم من جوع". وتواصل حميدة وسط دموعها "كما ترى تبقت لي أيام لأضع مولودي. وأبحث عن ظل أضع فيه مولودي هذا، رجاء امنحني فقط شهرا وسارحل بنفسي"، رد المشرف بصرامة "لن اسمح لك بالبقاء لساعة".

سحبت السيدة خطواتها بتثاقل، وبداخلها صرخة داوية تسيطر عليها بالضغط على أسنانها.

مثل هذه الحكاوي تسمعها عشرات المرات عبر مراكز الإيواء المختلفة بعدد من مدن السودان، والسؤال هو من هم نازحو مدني ومن هم نازحو الخرطوم؟ وماهية امتيازات هؤلاء واولئك؟

نازحو مدني هم الوافدون إلى تلك المدن بعد أحداث مدني 15 ديسمبر، أما نازحو الخرطوم هم الوافدون إلى تلك المراكز قبل 15 ديسمبر. ووافدو الخرطوم اكتمل تسجيلهم بتلك المراكز وهم القادرون على الحصول الإعانات المختلفة، على قلتها، بحسب الكشوفات المرفوعة من إدارات مراكز الإيواء، أما نازحو مدني، فقد ترك أمر إعانتهم لرئاسة مجالس الولايات بعد أن كان أمر اعانتهم مسؤولية المحليات، الا أن مجالس الولايات تركت أمر إعانتهم على عاتق الهلال الأحمر، والتي لا تملك بين يديها ناقة ولا جمل، مما جعل نازحو ما بعد 15 ديسمبر مجموعة من المشردين يفترشون أرصفة الشوارع والأزقة عبر مشاهد مأساوية تفضح واقع المنظمات الإنسانية والإغاثية.

أن غياب التنسيق الجيد لإدارة المواد الإغاثية على قلتها تولد أزمات أخرى تتمثل في التمايزات الجهوية والتي تمنح الحاجات الإنسانية للبعض، وتحرم عن البعض الآخر رغم الحاجة الماسة إليها، وهنا نصرخ بأعلى أصواتنا من يمسح الدمع عن نساءنا، ومن يعيد الفرحة لاطفالنا، ومن يداوي المرضى من شعبنا يا شعوب العالم المتحررة؟

معرض الصور