ندوة في القاهرة تتناول مسيرة عميد الصحافة السودانية
متابعات مواطنون
وسط حضور كبير من السودانيين أم ندوة "أدوار في الفضاء العام.. وبصمة في القضايا الوطنية والسياسية والمهنية"، بدأت فعاليات تأبين أستاذ الأجيال محجوب محمد صالح من العاصمة المصرية القاهرة، التي قضى فيها عميد الصحفيين السودانيين آخر أيامه واحتضنت مقبرته الطاهرة.
وقالت د. سارة نقد الله رئيسة اللجنة العليا للتأبين إن الفقيد الراحل صاحب حق على كل أهل السودان، من خلال علاقته بقلمه وعلاقاته الإنسانية وعلاقاته السياسية، ورؤيته الواسعة في حق السودان ولم يفارقه هم السودان حتى مماته.
ورحبت د. أميرة أحمد باسم الجامعة الأمريكية ومشروع التراث الثقافي للمهاجرين بالجامعة بالحضور الكبير للندوة، وقالت إن هذه الفعاليات التي نهض أبناء وبنات السودان لإطلاقها في مختلف أنحاء العالم، وفي مستقر فقيد الوطن الأخير بالقاهرة، هي بعض من قبس روحه وشخصيته الفريدة ونموذجه النادر، كشخص شديد الوفاء لمهنته العظيمة كصحفي حر، تخرج من بين يديه مئات الصحفيين، وككاتب ذرب العبارة وشديد المراس فيما يعتقد، شجاعاً ثاقب البصر والبصيرة، وكانسان شديد الوفاء لصداقاته التي لا تحصى، وعوناً ونصيراً لكل من قصده، وداعم بلا كلل لقضايا النساء فعلاً وقولاً، ومنحازاً للفقراء والمهمشين وللشعب السوداني والمواطن، وخلد اسمه بأحرف من نور، كمدافع صلب عن الحريات العامة وقيم العدالة والسلام والديمقراطية.
"تأريخ في الحركة السياسية والطلابية والنقابية ومناهضة الاستعمار" كانت أولى الأوراق التي قدمها المهندس محمد فاروق إنابة عن الرمز الوطني الدكتور فاروق محمد إبراهيم الذي كان من المنخرطين مع الأستاذ محجوب في عضوية الحركة السودانية للتحرر الوطني (حستو) والجبهة المعادية للاستعمار، وتطرقت الورقة لمحطات مهمة في تأريخ السودان كان الراحل جزء من تشكيلها وصناعتها، وأبرزت دوره في المشروع الوطني الديمقراطي.
وأشار د. فاروق إلى أن محجوب كان يحمل فكرة الحزب الاشتراكي الجماهيري، الذي تكون الكوادر الماركسية فيه بمثابة القلب والدماغ منذ التحاقه بالحركة السودانية للتحرر الوطني، فكرس نفسه لبناء قاعدتها وتأهيل كوادرها وتأسيس منظماتها واتحاداتها، وحينما فُصل من كلية الآداب كان واحداً من ثلاثة طلاب تأهلوا للجلوس لامتحان بكالوريوس جامعة لندن، ونسبة لأن الامتحان كان خارجياً فقد كان بوسعه الجلوس له برغم فصله، لكنه حسم أمره على التفرغ للعمل الصحفي الذي يخدم عن طريقه مشروعه السياسي ولم ينظر للوراء، وظل ثابتاً في مواجهة الردة وفي صياغة المشروع الوطني البديل.
وخصص د. إبراهيم الأمين القيادي بحزب الأمة القومي ورقته التي خاطب بها الندوة من الدوحة، عن الأدوار الوطنية والقومية المؤثرة التي قام بها في مختلف مراحل عمره في الصحافة والمجتمع المدني، حيث شارك في أنشطة سياسية وفكرية واجتماعية وإعلامية، على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، وله فيها جولات معبرة عن مواقفه الوطنية ودفاعه عن الحريات العامة، ومن أدواره الوطنية الكثيرة المتعددة المجالات سعى الأستاذ الى تكوين مجموعة كبيرة ومتنوعة من الثوار والمهتمين بالثورة، بهدف المشاركة في حوار جاد ومسؤول لمعرفة الإيجابيات والسلبيات التي صاحبت مسار الثورة، وتحديد الأخطاء ومخاطبتها بأسلوب علمي لتتم معالجتها.
وأشار د. إبراهيم للصفات المميزة للأستاذ محجوب، وعلاقاته الواسعة والمتنوعة مع كل القوى السياسية والفكرية والاجتماعية، إضافة الى ما يتميز به شخصياً من قدرات على الاقناع والتعامل بثبات وعقلانية عند تناوله للقضايا العامة، ولهذا السبب عرف عن الأستاذ انه وراء عدد كبير من الجماعات الساعية لإيجاد معالجات جذرية لعدد من القضايا الوطنية.
"إن العلاقة بين الدول قد تتعرض لتوترات ولكن الضمانة لهذه العلاقة هو أن تظل العلاقة الشعبية بمنأى عن هذه التوترات" بهذه المقولة عن الأستاذ محجوب استهل أ. أتيم سايمون، الصحفي والكاتب الجنوب سوداني ومؤسس أول جريدة ناطقة باللغة العربية في جنوب السودان، ورقته المقدمة في الندوة عن علاقة الراحل بقضية جنوب السودان، وتعاطيه معها منذ فترات مبكرة من وعيه السياسي، مشيرا لإصداره في ثمانينات القرن الماضي صحيفة "سودان تايمز" الإنجليزية، التي عمل فيها مع الإعلامي والسياسي الجنوبي المخضرم بونا ملوال، وهي الصحيفة التي اهتمت بالتطرق لقضية جنوب السودان منذ بداية النقاشات المبكرة حول الوضع الدستوري في السودان ووضعية جنوب السودان، كما وفرت منبراً للرأي للعديد من الكتاب والصحفيين الجنوبيين، الذين تدربوا وعملوا في تلك الصحيفة وشكلوا فيما بعد نواة للصحف الجنوبية التي تأسست لاحقاً، والتي أصبح جزء منها نواة للعمل السياسي الحزبي في جنوب السودان.
وقال اتيم إن حصيلة اهتمام ومتابعة الأستاذ محجوب محمد صالح تجلت في كتابة سلسلة من المقالات التي نشرها في صحيفة الرأي العام في الفترة من سبتمبر ١٩٩٨م وحتى نهاية مايو ١٩٩٩م، تحت عنوان "أضواء على مشكلة قضية جنوب السودان"، التي صدرت في كتاب حمل نفس العنوان.
وأكد أتيم في ورقته إن الأستاذ وفي سرده وتحليله لأبعاد قضية جنوب السودان من بداياتها المبكرة وصولاً لمبادرة الايقاد للحل السلمي في السودان، استصحب معه تطور الحركة السياسية الجنوبية سوأ كانت مدنية أو عسكرية، بالنظر في توجهاتها ومواقفها المعلنة والمكتوبة، والأبعاد الاجتماعية لصراعات النخبة الجنوبية نفسها.
ولم يتوقف اهتمام الأستاذ بقضية جنوب السودان حتى بعد استقلال الجنوب في ٢٠١١م، وحرصاً منه على مستقبل العلاقات بين دولة جنوب السودان الحديثة ودولة السودان أسس أستاذ محجوب مع نخبة من الأكاديميين والصحفيين والناشطين المدنيين في العام ٢٠١٢م منظمة للعلاقات الشعبية بين البلدين، وتم انتخابه كرئيس للجمعية، التي تهدف لتعزيز العلاقة الشعبية بين مواطني الدولتين، مؤكدا أن الأستاذ محجوب يمثل مدرسة متفردة في التناول العميق والتحليل الرصين، الملتزم بأسس واخلاقيات العمل الصحفي والمحكوم بحس المسؤولية الوطنية.
وقدمت أ. صباح محمد آدم في ورقتها "أدوار في مناصرة قضايا النساء ودعم الصحفيات" المقدمة للندوة سردا لتجارب عملية، وشهادة شخصية على أدوار عميد الصحافة في مناصرة قضايا النساء ودعم الصحفيات السودانيات، من خلال تجربتها في صحيفة الأيام بعد قرار عودتها إلى أصحابها بحكم قضائي في العام ١٩٨٧م، حيث اتخذ الأستاذ منذ توليه رئاسة التحرير من المساواة منهاجاً في تعامله مع الصحفيين نساء ورجال وكان يتعامل باحترام وتقدير للصحفيات العاملات بأقسام الأخبار والسياسة، وكان مؤمناً بقدرة الصحفيات فكان يضعهن في دوائر حساسة في السابق كانت حكراً على الصحفيين الرجال، كالقسم السياسي والأخبار ودوائر مجلس الوزراء والمؤسسة العسكرية، في وقت كانت البلاد تعج بالأحداث والصراعات بين الأحزاب المتنافسة من جهة، وما يلوح في الأفق من بوادر احتقان بين السلطة المدنية والمؤسسة العسكرية من جهة أخرى، وذلك في ظل الديمقراطية الثالثة ١٩٨٧-١٩٨٩م، وأشارت الى تكرارها لتجربة العمل مع الأستاذ في صحيفة الأيام في عودتها الأخيرة في العام ٢٠٠٠م وحتى توقفها بسبب المضايقات والاستهداف الأمني في العام ٢٠١٥م، وقالت إن الأستاذ محجوب كان ملهما لمشروع "المراسلات الشعبيات" بالصحيفة، لتدريب وتأهيل صحفيات من المناطق الطرفية لعكس ظروف وأوضاع تلك المناطق، وكان يدعم عملهن من خلال تناول تلك القضايا في كلمة الصحيفة وعموده الرصين أصوات واصداء" مما قاد لحل كثير من المشاكل، وأدى لتحسن الأوضاع.