محادثات سلام السودان بسويسرا.. خطوتان للأمام خطوة للخلف
تقرير ـ مواطنون
على عكس المقولة اللينينية الشهيرة "خطوة للأمام خطوتان للخلف"، تقدمت خطوات المساعي الدولية والإقليمية الرامية لحل الأزمة السودانية إلى مربع جديد بالدعوة التي أطلقتها الخارجية الأمريكية على لسان وزير خارجيتها أنتوني بلينكن الأسبوع الماضي.
سبق الدعوة الأمريكية الرسمية، التي مهد لها قبل يوم من إعلانها تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي"، نشاط دبلوماسي واسع سراً وجهراً على المستويين الدولي والإقليمي حرك البركة الساكنة مما أعد السودان إلى مركز دائرة الاهتمام الدولي.
وعلى الرغم من التعثر الذي لازم كل المحاولات السابقة، خلال عام ويزيد منذ إندلاع الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، والتي لم تصل إلى نتيجة فعلية بوقف إطلاق النار والعدائيات، إلا أن الجهود الدولية والإقليمية والضغوط الداخلية لم تفتر، وتوجت بالدعوة الإخيرة لواشنطن للطرفين المتحاربين للجلوس في 14 أغسطس للوصول إلى اتفاق يفضي إلى وقف دائم لإطلاق النار وتيسير وصول المساعدات الإنسانية لمستحقيها.
ترحيب وتفاؤل
وجدت الدعوة، التي ستكون أطرافها الرئيسية الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية وبمراقبة بعض الدول والمنظمات ذات الصلة، وجدت ترحيباً داخلياً واسعاً وارتياحاً دولياً وإقليمياً للضغط على الأطراف بعد استفحال الأزمة الإنسانية وحالات النزوح الواسعة التي تعرض لها الشعب السودان "أكثر من 10 ملايين نازح داخلياً وواكثر من 2 مليون لاجيء بدول الجوار".
يقول اللواء د. أمين إسماعيل مجذوب، خبير الأزمات والتفاوض، لـ "مواطنون" إن المبادرة الامريكية تم التحضير لها جيداً وسبقتها مشاورات وزيارات لوزير الخارجية الامريكي لكل من السعودية، ومصر وهي من الدول المؤثرة ولها علاقة بالازمة السودانية.
وأضاف إسماعيل "أيضاً زيارات مسؤولين من السعودية وزيارة أبي أحمد للسودان ومشاورات على نطاق واسع زادت على 6 أشهر للتحضير لهذه المفاوضات".
من حيث التوقيت يقول إسماعيل إن الحرب طال أمدها في السودان، ودخلت عامها الثاني "وأثرت على المواطن والشعب السوداني واثرت أيضاً على دول الجوار التي تعتمد على السودان كثيراً سواء في الموارد أو التجارة البينية أو حتى في العمالة التي كانت موجودة في السودان وعادت إلى دولها".
يرى اللواء إسماعيل إن توقيت إطلاق المبادرة مناسب بقراءة الوضع على الأرض وتأثيره على المواطن مباشرة "ولا أمل في الحسم العسكري لأحد الطرفين". وأضاف "من حيث الموضوع، لم تعلن الأجندة حتى الآن، ولكن الحديث عن وقف إطلاق النار والقضايا الإنسانية والوضع السياسي في السودان، وبالتالي هي تخاطب أسباب الأزمة وتخاطب آثار الأزمة والأسباب التي أدت إلى الحرب".
وتضمن بيان دعوة وزير الخارجية وزير الخارجية الأمريكية، أنطوني بلينكن في 23 يوليو، أهدافاً محددة مطلوب التوصل إليها في محادثات سويسرا "وقف العنف على مستوى البلاد، وتمكين وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المحتاجين، وتطوير آلية قوية للرصد والتحقق لضمان تنفيذ أي اتفاق".
كما أشار البيان بوضوح إلى أن المحادثات لا تهدف إلى "معالجة القضايا السياسية الأوسع" مطالباً القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع إلى حضور المحادثات والتعامل معها بشكل بناء، مع ضرورة إنقاذ الأرواح ووقف القتال وإيجاد طريق لحل سياسي تفاوضي للصراع. إننا ننضم إلى دعوات الشعب السوداني من أجل السلام والانتقال الديمقراطي، ونحث الأطراف على وقف القتال من أجل مستقبل أكثر إشراقا للسودان.
يقول الأكاديمي والكاتب، عبد الله آدم خاطر، لـ"مواطنون" إن المبادرة نفسها مكوناتها متعددة ومراحلها مختلفة ولكن أهم مرحلتين هما المرحلة الأولى العاجلة الآن وهي وقف الحرب أو وقف القتال، وبالتحديد وقف العدائيات وتسهيل عملية العون الإنساني لتصل لكل السودانيين، خاصة المناطق المتضررة سواء في وسط السودان أو غرب السودان أو في الجنوب الجديد للسودان.
واضاف بأن المبادرة الأمريكية تضم السعودية وسويسرا وستكون امتداد لمفاوضات جدة، "وذلك للوضع الكارثي في السودان، بل الوضع في السودان أسوأ مما هو عليه في غزة أو أوكرانيا محل الاهتمام الدولي في الوقت الراهن".
وبدا خاطر متفائلاً مشيراً إلى أن هناك بشائر واضحة، وأن دول الجوار بدأت في الانتباه، والاجتماع الذي سينعقد في العاصمة المصرية القاهرة للدول المجاورة وكذلك الاجتماعات للقوى المدنية والسياسية في أديس أبابا، كلها تؤشر إلى اتجاه تكوين مظلة دولية وإقليمية لمساعدة السودان للخروج من هذه الأزمة، والمؤمل جداً أنها ستنتهي بمبادئ ثورة ديسمبر المجيدة.
الكاتب والصحفي، وائل محجوب، يذهب في ذات الاتجاه بأن اجتماعات جنيف بدعوة من الولايات المتحدة هي استكمال لتحركات عديدة ظلت تجري خلال الأشهر الماضية لدفع الجيش والدعم السريع لمائدة التفاوض. ويقول لـ "مواطنون" إن المبادرة تطوير لمنبر جدة حيث مضت اجتماعات جيبوتي باتجاه جمع كافة اصحاب المبادرات الاقليمية.
محجوب يضيف بأن هذه المحادثات ستتأسس على التفاهمات التي توصل اليها الطرفان في جدة من قبل، مع إمكانية استصحاب ما تم التوافق عليه في المنامة، لذلك فمن المتوقع أن تبدأ من نقطة متقدمة حالما تأكد قيامها.
في هذا الإطار جدد مجلس الوزراء السعودي، الثلاثاء، التأكيد على مواصلة المملكة مساعيها الرامية لحل الأزمة السودانية وعودة الأمن والاستقرار إليه، وذلك في سياق ترحيبه بمخرجات الاجتماع التشاوري الثاني حول تعزيز تنسيق مبادرات وجهود السلام في السودان.
ويقول خاطر إن المرحلة الثانية من المباحثات متعلقة بالمحور الأفريقي أو الإيقاد وتطوير عملية الحوار السياسي في الأوساط المدنية بحيث تبدأ العملية السياسية التي تؤدي إلى الاستقرار بما تحويه من معالجة لقضايا الدستور والعدالة الانتقالية والتأسيس لمرحلة الانتخابات الحرة النزيهة.
وأشار إلى أن جميع المبادرات هي تجميع لقدرات بدأت هنا وهناك مؤكداُ على أن المبادرة الأساسية هي مبادرة الشعب السوداني نفسه، الذي لا يزال متمسكاً وبقوة بمبادئ ثورة ديسمبر المجيدة وبشعاراتها ويإمكانيات تطويرها لتكوين "سودان بكرة". وقطع بأن المفاوضات ستنتهي إلى تكوين جيش محترف واحد للسودان مطالباً بتقديم من ساهموا في إشعال هذه الحرب إلى محاكمات عادلة وبواسطة قضاء عادل.
الخارجية السودانية ترد
في الوقت الذي أعلنت فيه قوات الدعم السريع قبولها الدعوة الأمريكية وموافقتها على حضور محادثات سويسرا، ربطت الخارجية السودانية في ردها، الذي جاء بعد اسبوع على المبادرة الامريكية، حضورها بشروط على رأسها تنفيذ مخرجات إعلان جدة الموقع في 11 مايو 2023 بين القوات المسلحة والدعم السريع، وكذلك طالبت باجتماع مع الحكومة الأمريكية للتحضير الجيد للمفاوضات.
اعتبر د. مجذوب أن رد الخارجية السودانية كان ذكياً، ويحمل موافقة مضمنة ويحمل مؤشرات نسميها نحن التعضير. الخارجية السودانية طلبت اجتماع مع صاحب المبادرة للتحضير الجيد، وأَضاف لـ "مواطنون" أنها نبهت إلى أن المفاوضات لابد أن يكون أساسها ما تم الاتفالق عليه في منبر جدة في 11 مايو 2023. وقال إنها طالبت ضمنياً بتوضيح الأجندة وكيفية إدارة المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة.
لكن وائل محجوب قال إن الخارجية الامريكية ذكرت رسميا انها وجهت الدعوة للقائد العام للجيش، لذلك فإن بيان وزارة الخارجية لا معنى له. واعتبر الرد يحمل مضامينا سياسية تتفق مع اتجاهات الحركة الاسلامية والمؤتمر الوطني، وهو استمرار لنهجها الرافض للتفاوض.
وأضاف بأن الجهة التي وجهت لها الدعوة هي القوات المسلحة، وهي وحدها من يتوجب عليها الرد بالقبول أو الرفض، أو طرح التحفظات، وينبغي التذكير بأن الموقف المعلن اقليميا ودوليا هو عدم الاعتراف بالحكومة القائمة حاليا، وهو موقف ثابت منذ انقلاب ٢٥ اكتوبر لم يتغير حتى الأن.
وقال إن الخارجية لعبت من قبل أدواراً في تعطيل أي اتجاهات للحلول، وهي تتحدث عن تعدد المنابر، مشيراً إلى أنها سعت لذلك من قبل حينما تركت منبر جدة وسعت لبدء عملية تفاوض عبر الايقاد، ومن خلال دفع الاتحاد الافريقي لطرح مبادرة فشلت بسبب اصرار الأخير على طرح حوار تشارك فيه قوى محسوبة على المؤتمر الوطني.
وحول نجاح او فشل المباحثات في سويسرا يرى د. أمين مجذوب أن مسألة نجاح أو فشل المفاوضات محكومة بجلوس الأطراف وبدء التفاوض. وقال "لا نستطيع الحكم على مفاوضات لم تبدأ بالفشل". مشيراً إلى عدم التعجل بالحكم على فشل أو نجاح المفاوضات مالم يجلس الطرفان إلى طاولة التفاوض مع الوسيط والمراقبين وإعلان البيان الختامي. وقال إن هناك خيارات حتى في حال تعثر المفاوضات وأن صاحب المبادرة أو الوسيط هو من يعلن إنهيار المباحثات.