ولاية نهر النيل.. تحذيرات من كارثة بيئية يصعب التحكم فيها
تقرير ـ مواطنون
شهدت ولاية نهر النيل هطول أمطار غزيرة وموجة سيول كبيرة شملت أجزاء كبيرة من المحليات خلال هذا الأسبوع. وأدت هذه الموجة إلى انهيار 70 % من منازل محلية أبو حمد لحسب بيانات حكومية. وإلى جانب تضرر منازل المواطنين والأسواق الداخلية، فقد تضررت أسواق التعدين المنتشرة في أرجاء الولاية مما ينذر بكارثة صحية وبيئية تمتد آثارها إلى مناطق أخرى.
وحذر عدد من المختصين والعاملين في مجال التعدين من خطورة الوضع الصحي والبيئي جراء اجتياح السيول لمواقع التعدين والطواحين وأسواق التعدين. وتتخذ معظم السيول مجاري لها تصب في نهر النيل من الناحية الشرقية والغربية. وتزداد الخطورة في حالة جرف مياه السيول لمواد مشعة مختلطة بالمخلفات مثل اليورانيوم و البلوتونيوم وغيرها من المواد المشعة أو الفلزات الثقيلة المستخرجة من مخلفات الذهب من أماكن التعدين.
توجد في ولاية نهر النيل أكبر أربعة أسواق للذهب وهي سوق العبيدية وأبو حمد والشريك ودار مالي، وتستقبل هذه الأسواق المواد الخام من مناطق التعدين في ولاية البحر الأحمر والولاية الشمالية من مناطق العلاقي والأنصاري ومورايا، ويتم التعامل معها كيميائياً.
شبكة أطباء السودان حذرت من كارثة بيئية وإنسانية من جراء السيول والأمطار التي ضربت بعض مناطق التعدين بولاية نهر النيل. وأشارت الشبكة إلى أن السيول جرفت مخلفات التعدين الأهلي عن الذهب، بما في ذلك بعض المواد الكيميائية القاتلة مثل الزئبق والسيانيد، التي تسخدم في عمليات التنقيب.
وأكدت الشبكة أن تلك المواد الكيميائية تترتب عليها تأثيرات ضارة على الجهاز التنفسي والجهاز الهضمي، محذرة من أن السيول ستؤدي إلى ارتفاع لدغات العقارب، خاصة أن المنطقة تعيش فيها كميات ضخمة من العقارب السامة.
تلوث بيئي
الخبير الجيولوجي د. فرح صالح قال لـ"مواطنون" إن من أكبر المشاكل التي تواجه السودان حالياً هي التعدين العشوائي، وحذر من إحتواء كل المخلفات علي مواد كيميائية ذات سمية عالية تظل متواجدة في المخلفات لفترات طويلة بتركيز متفاوت من منطقة الي أخري. واضاف "كذلك بعض الصخور والتربة تحتوي علي المعادن الثقيلة التي تتسبب في مشاكل وأمراض للإنسان والحيوان إذا تركزت بكميات كبيرة".
وأوضح صالح إن السيول والأمطار جرفت المخلفات الملوثة مثل السيانيد و الزئبق و الثيوريا (سيانيد مخفف). وقال إن السيانيد مادة كيميائية سامة جدا تسبب الموت بوقف القلب، وإن الزئبق أخطر بكثير لأنه لا يتحلل و يتم إستعماله بكميات كبيرة و يحصل له فقدان في التربة. ونبه الخبير الجيلوجي الكرتة و للأسف خلاطات الكرتة موجودة في المنازل والمدارس وقرب الترع والمزارع وقرب النيل في قري شمال عطبرة، "والكرتة تعالج بالزئبق و الثيوريا".
من جهته، أكد القيادي في تجمع الأجسام المطلبية "تام"- نهر النيل، مامون أبشر، الأنباء المؤسفة عن وقوع كارثة التلوث البيئي الناتجة عن جرف السيول لكميات ضخمة من مواد السيانيد والزئبق، وآلاف الاطنان المترية من مخلفات التعدين المعروفة محليا باسم (الكرته)، والعشرات من الآليات والمعدات والاواني المستخدمة في عمليات تنقية الذهب في المعامل الملحقة بأسواق التعدين بولاية نهر النيل، وتلك التي كانت منتشرة أيضا في المزارع والمنازل والأسواق المحلية، رغم التحذيرات والنداءات المستمرة.
وقال أبشر في تقرير لصفحة "تام" : "لقد ظللنا نقاوم فوضى التعدين، وحذرنا تكرارا من مغبة عدم ضبط أنشطة التعدين الجائر، وانتقدنا عدم الحساسية والمسؤولية تجاه المجتمعات المستضيفة لأنشطة التعدين، احتجينا، واعتصمنا، ورفعنا شكوانا، وسعينا للفت انتباه كل الجهات المسؤولة، بل وقدمنا مقترحات عملية لدرء الخطر قبل وقوعه، لكنا لم نجد من يستمع للنداءات المتكررة".
وأضاف "الآن تحولت مناطق العبيدية وشرق عطبرة وأبو حمد وشندي وكل المنطقة الجنوبية في الولاية والتخوم الشرقية لها مهددة بخطر التلوث البيئي، الذي أصبح واقعا شاخصاً مع بقية المخاطر الأخرى لكارثة السيول والأمطار".
وبحسب المكتب الإعلامي لشرطة ولاية نهر النيل، فقد جرفت السيول والأمطار بالولاية طبقة الأسفلت في أجزاء من الطرق الرئيسية، مما أعاق حركة المرور.
وقال المكتب على صفحته بموقع فيسبوك إن السيول أدت لقطع طريق التحدي عند منطقة قباتي بجنوب مدينة الدامر، وطريق عطبرة - مروي عند الكيلو 131، وطريق عطبرة – أبو حمد.
مواد مشعة
ويحذر صالح في حديثه لـ"مواطنون" من أن الخطر القادم هو إختلاط محتمل لمياه السيول بمخلفات التعدين وبالذات في ولايات البحر الأحمر ونهر النيل والشمالية سيؤدي الي كوارث صحية و بيئية يصعب السيطرة عليها. ونبه إلى أن الخطورة تزداد في حالة جرف مياه السيول لمواد مشعة مختلطة بالمخلفات مثل اليورانيوم و البلوتونيوم و غيرها من المواد المشعة أو الفلزات الثقيلة المستخرجة من مخلفات الذهب من أماكن التعدين.
وفي تصريح لـ"تام" نوه المهندس علي تونجا علي، رئيس لجنة حماية البيئة وعضو السكرتارية التنفيذية لتجمع الأجسام المطلبية - تام، إلى خطورة الآثار المترتبة على السيول والأمطار في مناطق التعدين، التي تضم معامل لاستخلاص الذهب بواسطة مواد كيميائية شديدة الخطورة.
كما نوه تونجا إلى أن هطول الأمطار الغزيرة أدى إلى تآكل التربة في كثير من الموقع في ولايتي نهر النيل والبحر الأحمر، مما عرض المواد الكيميائية المكشوفة للانتشار، وقال إن ذلك سيحدث تأثيرات ضارة على المجتمعات المحلية، ويعرض السكان لمخاطر صحية وأضرار فادحة، من أخطرها تقلص الأراضي الزراعية بفعل تجريف وتلوث التربة الخصبة، وتأثر الغطاء النباتي والثروة الحيوانية، وهي مهددات للأمن الغذائي في الكثير من أنحاء السودان خصوصا في ظل الحرب وتوقف عمليات الإنتاج الزراعي والحيواني بنسبة كبيرة، بالإضافة إلى تأثر المناخ والحياة البرية والنهرية والبحرية واختلال التوازن البيئي.
ضعف حكومي
ولاية نهر النيل اعترفت بحجم الكارثة وقالت إنها أكبر من إمكانيات الولاية، مما يتطلب تدخلاً من جهات اخرى ذات صلة بالتعامل البيئي والصحي لها القدرة على التقليل من آثار الكارثة الآنية واحتواء الآصار المترتبة عليها.
يقول الخبير الجيولوجي د. فرح لـ"مواطنون" إن هناك ضعف إلتزام حكومي بالمعايير العالمية عند الإستخدام الآمن للسيانيد والزئبق والمواد الكيميائية الأخري في مناطق التعدين. واوضح أن السودان لا يعمل بالقوانين لأسباب عدة منها ضعف حكومة المركز وتضارب المصالح في الولايات وهيمنة القبائل (النظار والعمد والمشايخ) في ملكية الأراضي، وتحكم بعض الشخصيات المؤثرة في إتخاذ القرارات في مجال الإستثمار في التعدين خاصة.
وأكد عضو تجمع الأجسام المطلبية، مامون" أن حجم الكارثة وآثرها أكبر من قدرات الولاية ومواطنيها ومن تستضيفهم من المعدنين والنازخين من الولايات الأخرى بسبب الحرب. واضاف "الأمر المخيف أنه سجلت حالات لنفوق ماشية وطيور بسبب شربها من المياه الملوثة، وهو ما ينذر بحدوث نتائج مماثلة تطول البشر أيضا".