28/10/2024

رحلة العذاب والموت للمكفوفين من مدني إلى كسلا

مواطنون ـ رامي محكر
في يونيو العام الماضي سيطرت قوات الدعم السريع على معظم الأماكن الحيوية العامة والخاصة بولاية الخرطوم لتكون مقرات سكن وإرتكاز لجنودها، ومن ضمن هذه الأماكن إحتلت مقر منظمة عيون الخيرية لرعاية المكفوفين بمنطقة بحري حي المغتربين وإستباحت كل مافي المقر من أموال وأشياء عينية تخص المنظمة وبعض أعضائها من المكفوفين.

ومع انطلاقة الحرب في 15 أبريل 2023، وجهت منظمة عيون الخيرية لرعاية المكفوفين نداءً للإهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة وعلى رأسهم المكفوفين. وقالت إنهم يحتاجون لترتيبات خاصة تضمن حمايتهم وإلى مسارات آمنة خاصة بهم تضمن وصول المساعدات إليهم. وطالبت المنظمة بإجلائهم بمركبات خاصة من مناطق الاشتباكات ومدهم بالمساعدات اللازمة في المناطق الأقل خطورة.

كشف نادر أبو القاسم أحد مشرفي دار إيواء المكفوفين بولاية كسلا عن تفاصيل رحلة معاناتهم في الخروج من ولاية الجزيرة بعد سقوط مدينة ود مدني في يد الدعم السريع في 15 ديسمبر 2023، لافتاً إلى سماعهم في ذلك اليوم أصوات الذخيرة بالقرب من دار الايواء، وأنهم أجبروا على الخروج بمفردهم بعد أن تساقطت الطلقات النارية على الدار.

وقال نادر لـ(مواطنون) : "ذهبنا إلى حي الدرجة لابتعاده عن مقر الفرقة ولكن بعد سقوط المدينة بالكامل دخل علينا أفراد من الميليشيا واخبرناهم أننا مكفوفين وأن الدار لهم، طلبوا منا عدم المغادرة وأن الوضع آمن ، لكن الجميع كانوا خائفين خاصة وأن معنا فتيات وكنا نسمع كثيراً عن حوادث الاغتصاب، فقررنا الخروج لمنطقة آمنة في الصباح الباكر، ولم يكن معنا دليل".

ونوه نادر إلى أن عدد الموجودين في الدار كان خمسين أسرة، وأنهم ساروا مشياً على الأقدام حتى منطقة تقع قريبة من قرية (السوريبة) ، وأضاف "قابلنا سائق حافلة وأشار علينا أن نغادر إلى مارنجان والتواصل مع المنظمات لإخراجنا لمدينة آمنة".

وأوضح أنهم غادروا مباشرة إلى مسجد في منطقة بركات والذي يأوي نازحين أيضاً، وأضاف نادر: "للأسف هناك وصل إلينا فرد من الدعم السريع وطلب منا الذهاب معه إلى منطقة أخرى تبعد مسافة من المسجد للحصول على مساعدات، ذهبنا معه نحن المشرفين الثلاثة وسائق الحافلة ومساعده، لكن بعد مسافة بعيدة تم إيقاف الحافلة من قبل المليشيا كانت قد لحقت بنا وطلبوا منا النزول وكان ذلك الفرد الذي جاء معنا متفق معهم واطلقوا علينا الذخيرة وقالوا لنا أننا (كيزان) بعد وعيد وتهديد أخذوا منا الحافلة وعدنا سيراً على الأقدام حتى المسجد الذي مكثنا فيه أحد عشر يوماً".

وأشار نادر إلى أن كل محاولاتهم في إقناع أفراد الدعم السريع في السماح لهم بالخروج من الولاية كانت تقابل بالرفض، وزاد: "بعد إصرار منا وكذا محاولة وبعد أن استطعنا جمع المال لايجار باص يخرجنا من هناك ، وصل إلينا قائد يدعى أبو شوتال استطعنا إقناعه وقالوا لنا أنهم سيصلون إلى كسلا ، اتصلنا مباشرة بصاحب الباص والذي طلب حماية منهم عبر عربة ترافقنا حتى آخر ارتكاز كي لا يأخذوا الباص، وعند الارتكازات واجهنا إساءة وانتهاكات عديدة وتم انزالنا أكثر من مرة وفي كل ارتكاز كانوا يقولون لنا أننا لسنا مكفوفين وأننا نتبع للنظام السابق وأننا استخبارات وغيرها من الأقاويل ، لكن الحمد لله بعد كل ذلك خرجنا حتى وصلنا إلى كسلا في الأول من يناير من العام الحالي".

ولفت نادر إلى أن بعض من المكفوفين خاصة الفتيات والأطفال ظلوا يعانون نفسياً من آثار ما واجهوه منذ سقوط مدني وفي رحلة خروجهم من هناك، وأنهم الآن في مدرسة مخصصة لايواء المكفوفين في كسلا.

في السودان تأسس معهد النور لتعليم المكفوفين عام 1961م بمبادرة أهلية مع منظمة الليونز الألمانية، وكان يديره وزارة الرعاية الاجتماعية حتى عام 1968م، قبل إلحاقه بوزارة التربية والتعليم عام 1994م. وهو المعهد القومي الوحيد في البلاد الذي يقدم تعليم أكاديمياً لمنتسبيه.

وفي تقارير سابقة أشار اتحاد المكفوفين الذي تأسس عام 1970، إلى أن أعداد ذوي الإعاقة البصرية بلغت في 2015 أكثر من نصف مليون شخص، من جملة 44 مليون نسمة هم تعداد السودان.

صمم الفرنسي لويس برايل عام 1839م ، مستفيداً من إعاقته البصرية، وسيلة جديدة لتعليم فاقدي البصر، باستخدام ستّ نقاط بارزة تُنقش على الورق، ويلمسها المكفوفون باليد لقراءة وفهم المكتوب.

واستقى برايل الفكرة من الجيش الفرنسي الذي كان يرسل برقيات مشفّرة إلى الجنود مستخدماً 12 نقطة بارزة ينقشها على الورق، حتى لا يكتشف الأعداء خططه العسكرية حال وقعت البرقية في أيديهم.

اعتمدت الأمم المتحدة في نوفمبر 2018م طريقة برايل وسيلةً رسميةً لتعليم المكفوفين، وخصّصَت الرابع من يناير من كل عام يوماً عالميّاً لتلك اللغة، تشجيعاً على تعليم فاقدي البصر.

معرض الصور