05/12/2024

إمتحان الشهادة السودانية .. مدخل لصناعة السلام في السودان


إمتحان الشهادة السودانية .. مدخل لصناعة السلام في السودان
خالد ماسا
على إمتداد تاريخ النظام التعليمي الوطني في السودان ظلت إمتحانات الشهادة السودانية واحدة من أهم المُسلمات والثوابت التي إستمسكت بها كل الإدارات التعليمية التي مرت على وزارة التربية والتعليم وعلى الرغم من التطور الكبير في فلسفة التعليم في العالم وفي طرُق التقييم لمخرجاته بما يتجاوز طريقة الإمتحان والرسوب والنجاح المعتمده في إمتحانات الشهادة السودانية إلا أن صمدية القرار عند المتحكمين في شأن التعليم في السودان جعلت من هذا الامتحان الثابت الذي لايتغير لتقييم أداء الجالسين لاداءه وتحديد أهليتهم للإنتقال من مرحلة التعليم العام للتعليم العالي ومامن معيار آخر يفصل في هذه الأهلية غير هذه العثره الكبيره في طريق المُمتَحنين .

" القومية" في تفكير من نظّر لهذا الامتحان لم تتعدى حدود التسطيح التعريفي بأن تطبع الإدارة المكلفة بامتحانات السودان أوراق الامتحان وتحدد جداول الجلوس اليها ومن ثم تذهب المظاريف مخفورة بقوة للحراسة والتأمين لكل ولايات السودان ثم تاتي الوزارة في إحتفالها السنوي باعلان نتيجة هذا الامتحان لتقول بأنها قد أعملت معايير العدالة والمساواة بين جميع الجالسين لاداء إمتحانات الشهادة السودانية ولا نظُن بأن هنالك عنزتان ستتناطحا على أن النتيجة لاتعطي صورة حقيقية لما هو مطلوب في العدالة والمساواة بين الممتَحَنين فالمعيار قاصر وشحيح .

هذا في وقت السلم وعلى أيام لم تتخطى فيه "المظالم " حدود مايوفره التعليم الحكومي في مقابل رفاهية التعليم الخاص ونسبة مقدرة الدولة على توفير الكتاب المدرسي والمعلم الكفء والبيئة المدرسية إضافة لما تخصصه الدولة في موازنتها للتعليم مقابل البنود ذات الأولوية عندها ومع ذلك كانت المظالم الناتجه عن هذه الممارسة جزء أصيل من الفتق في ثوب المجتمع السوداني ووحدته وظلت قضية التعليم العادل والمتساوي باب أساسي في كتاب سلام السودان المنشود .

الأحوال التي خلقتها حرب أبريل صنعت مشهداً مغايراً لكل ماهو قبلها ولعل المشهد التعليمي وماحاق به يجبرنا على تخصيص هذه القراءة لمشهد إمتحانات الشهادة السودانية ومصير الجالسين لهذا الامتحان في عامي الحرب 23/2024م وهم بالتاكيد رقم كبير من بين الارقام المخيفة التي أخرجتها إحصاءآت الحرب من بين لاجيء ونازح ومقتول أو مفقود .

آثار الحرب لم تستثني أحد في مكونات العملية التعليمية إبتداءاً بالممتحنين الذين شردتهم الحرب وقطعت عليهم الإستقرار النفسي والذهني المطلوب لهذه الإمتحانات وحرمتهم من ما يعادل 40% من أيام العام الدراسي المعتمدة عالمياً بالإضافة للركن الاساسي في التعليم وهم المعلمين والذين دخلت عليهم الحرب وهم في عز معركتهم مع السلطة للحصول على الحد الادنى من الحقوق في جدول أجور الدولة فاضاعت عليهم الرواتب على ضعفها لعامين وكانت البيئات المدرسية هي الملاذ الآمن والبديل للنازجين من جحيم الحرب الى جحيم النزوح لتخرج نسبة منها من الخدمة ، بل لم تنج الوزارة نفسها من آثار الحرب بخسرانها وفقدانها الاتصال والتواصل مع كوادرها وعدم قدرتهم على أداء مهامهم بسبب الحرب وكذلك فقدانها لمصادر كانت تدعم خزانتها بما يمكنها من أداء مسؤولياتها .

على الرغم من قتامة هذا المشهد إلا أن وزارة التربية والتعليم وعلى لسان اللجنة العليا لامتحانات الشهادة السودانية قالت بأنها مطمئنة لكل الترتيبات الفنية لإنفاذ قرارها بانعقاد الامتحانات في 28 ديسمبر الحاري لدفعة العام 2023م ولم يتعدى ما يبعث الاطمئنان لدى اللجنة حدود إنشاء مركزين للطواريء بمدينتي الدامر وعطبرة يمكن للراغبين في الجلوس للامتحان الالتحاق بهما قبل يوم من الامتحان إضافة للسماح بالمتخلفين عن جلسات إمتحان ديسمبر بالجلوس للامتحان بعد 3 شهور مع دفعة 2024م .

اننا كنا نرى وحتى لايركب " خطاب الكراهية" على أكتاف " خطاب المظالم" الذي قسم السودان لاصحاب حظوة في الحقوق ومحرومين أن تتم قراءة ورقة إمتحان الشهادة السودانية في ظرف الحرب وفقا لمطلوبات العدالة والمساواة عند الجلوس لها والتي بالتاكيد لن تتحقق وآلاف من الطلاب لن تمكنهم مدة الثلاثة شهور في ظرف الحرب أن يتعاملوا مع منهج دراسي هو في الاصل يعاني يعاني من مشكلات ويدخلوا بشروط عادله ومنصفة مع رصفائهم الاقل تأثراً بالحرب.

لصناعة السلام في بلد مثل السودان يجب أن تكون قضايا التعليم وبالتحديد إمتحانات الشهادة السودانية محتفظة بقوميتها في معاني توفير الفرص العادلة والمتساوية ومستقلة تماما عن التفكير السياسي لأن الضحايا في مشهد التعليم هم بالأساس يمثلون مستقبل السودان الذي تحرق الحرب الآن ماضية وحاضرة .

"عبقرية" هتاف الشارع السوداني في كل ثوراته " لاتعليم في وضع أليم" و " مقتل طالب مقتل أمه" لم تاتي من فراغ وإنما من باب الوعي والادراك بحساسية مسألة التعليم وأثرها في تماسك النسيج السوداني.

وبما أن إنعقاد إمتحان الشهادة السودانية في نهاية ديسمبر الجاري صار أمرا واقعا نحترم فيه تقديرات الوزارة ولجنتها العليا فاننا نطمع في ان نجتهد في توفير الحد الادني من الاجواء الآمنه للممتحنين بسكوت الرصاص في ايام الامتحانات كهدنة " أخلاقية" يستحقها فلذات أكباد الوطن وتوفير مسارات آمنه لانتقال الراغبين في الوصول لمناطق تنعقد فيها الامتحانات والوفاء بالتزامات الدولة تجاه المعلمين على الرغم من رؤيتنا بأن هذه الترتيبات لن تعالج ولن تمكن الغالبية من المتأثرين بالحرب في مناطق النزاع والنزوح واللجوء من الحصول على فرصة عادله للجلوس للامتحان وفقا لمعايير متساوية ولاظلم فيها يوجج محددات الحرب في السودان .

معرض الصور