استبدال العملة في السودان: خطوة في الوقت الخطأ؟

ثناء عابدين

شهد السودان انطلاق عملية استبدال العملة وسط جدل واسع وتحذيرات من أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى تعميق الانقسامات في البلاد، لا سيما أن مناطق تحت سيطرة قوات الدعم السريع لن تشملها العملية. وبدأت عملية التبديل يوم الثلاثاء الماضي في ست ولايات فقط من أصل 18 ولاية، نظرًا لاعتبارات أمنية حددتها السلطات في بورتسودان.

تفاصيل العملية
شرعت ولايات كسلا، النيل الأزرق، البحر الأحمر، نهر النيل، القضارف، والشمالية، في تنفيذ استبدال العملة. وطرح بنك السودان فئتي الألف والخمسمائة جنيه للتبديل الفوري عبر المصارف، مؤكدًا ضرورة إجراء التغيير من خلال الحسابات البنكية لضمان الشفافية.

أثارت الخطوة انتقادات واسعة من قوات الدعم السريع التي رفضتها، إلى جانب قوى سياسية ومدنية، أبرزها تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم"، التي وصفتها بأنها تُكرّس لتقسيم البلاد. في المقابل، دافع وزير المالية عن القرار، معتبرًا أنه أداة لمحاربة تزوير العملة، وتعزيز الشمول المالي، وإدخال الأموال خارج النظام المصرفي إلى القنوات الرسمية. كما أشار إلى أن الخطوة تهدف إلى مكافحة الفساد وتقليل تكاليف الطباعة.

رؤية الخبراء
أوضح الخبير المصرفي د. لؤي عبد المنعم أن اختيار فئتي الألف والخمسمائة جاء بعد دراسة مستفيضة، نظرًا لأنهما الأكثر تضررًا من عمليات التزوير. واعتبر أن استبدال العملة سيسهم في حشد النقد داخل الجهاز المصرفي لتمويل التنمية، وتوسيع مواعين الضرائب والزكاة، وتجفيف منابع تجارة العملة. لكنه أكد على أهمية أن تكون هذه الخطوة جزءًا من استراتيجية اقتصادية شاملة.

وأشار د. لؤي إلى تجربة روسيا، التي ربطت عملتها بقيمة معينة من الذهب لمواجهة الحصار الاقتصادي، داعيًا السودان إلى اتباع نهج مشابه. كما شدد على ضرورة تطوير منتجات مصرفية لتعزيز السيولة النقدية داخل المصارف.

تظل عملية استبدال العملة تواجه تحديات أمنية كبيرة، حيث لا تزال مناطق تحت سيطرة التمرد تستخدم الفئات القديمة. وأكدت الدولة أنها لن تضيق على مواطنيها في هذه المناطق، لكنها تسعى في الوقت ذاته إلى إضعاف جهود التمرد في استغلال الأموال المنهوبة.

ثمة مخاوف من أن استبدال العملة في ولايات دون أخرى قد يخلق حالة من الارتباك في التعامل النقدي. لاسيما أن الأوضاع الأمنية الحالية تجعل من الصعب تحقيق أهداف العملية بشكل كامل، مشددًا على ضرورة توحيد السياسات النقدية لتجنب التعقيدات.

بينما تسعى الحكومة السودانية إلى تحقيق أهداف مالية واقتصادية عبر استبدال العملة، يظل توقيت الخطوة وتداعياتها السياسية والأمنية موضع تساؤل. فهل ستكون هذه العملية مقدمة لإصلاحات أوسع أم بداية لتعقيدات إضافية في المشهد السوداني المضطرب؟