12/12/2024

حُكومة المنفى .. إشعار خصم، أم إضافة في حرب السودان؟

خالد ماسا

وكُل الغرقى في بحر حرب أبريل التي أتت على أخضر السودان ويابسة صاروا يُعلّقون آمالهم على أي قشة تٌنجيهم من جحيمها، سواء كانت هذه القشة من قريب في السودان أو غريب في الجوار والمجتمع الدولي. وتأسيساِ على هذه الآمال إلتفتت العيون ناحية الحراك الذي تقوده تنسيقية القوى الديموقراطية المدنية "تقدم" باعلانها الاجتماع مطلع ديسمبر الجاري في عنتبي الأوغندية لمناقشة عدد من الأجندة ذات العلاقة بالاوضاع التي فرضتها الحرب على الشعب السوداني.

رفض الحرب والعمل على إيقافها ومعالجة آثارها على الشعب الشعب السوداني هو الخطاب الرسمي والمعلن على الأقل في كل خطاب أو تصريح على لسان رئيسها رئيس الوزراء السابق الدكتور عبدالله حمدوك والناطقين الرسميين بأسم التنسيقية. ولم يخرُج إعلان المباديء المعلن والموقع في أديس أبابا إلا قليلاً عن حدود التعامل الأولي مع واقع الحرب، الخطوة التي لم تنتهي الى ماهو مُخطط لها أن تنتهي اليه بل أننا نرى بأنه تم إستغلالها في "شيطنة" التنسيقية وقياداتها دون التركيز حتى على محتوى الإعلان ومخاطبته لأزمة الحرب.

وبعيداً عن "سوء الظن" المُسبق في الإصطفاف المدني الذي سعت له التنسيقية في زمن إصطفاف الحرب من قبل دعاة إستمرارها، والذي يحملهم الى رفض اي خطاب يدعو لايقاف الحرب ولو كان مبرأ من كل عيب، فاننا نرى بأن واحد من أسباب عدم التوفيق في نجاح المبادرة والإعلان هو "الإرتجال" والعجلة في تتفيذه، مع أن الأولوية كانت تتطلب إبتدأ أن يتم حشد التأييد المدني لهذا الإعلان، والعمل على إقناع كل الشركاء المُقتنعين بضرورة إيقاف الحرب الرافضين للإعلان من القوى السياسية المدنية أو تلك التي أبدت ملاحظاتها على طريقة صياغة الاعلان وتلك لم تكن بالمهمة المستحيلة أمام مكونات لديها اتفاق في التوجه العام بأن الحرب لن تحل الازمه السودانية بل تزيدها تعقيداً.

جاء إجتماع عنتبي لتنسيقية القوى الديموقراطية المدنية مطلع الشهر الجاري وبالضرورة لم تتغير الملامح العامة لتوجهات المُجتمعين باعتبار أن أجندة ايقاف الحرب، وفتح المسارات لوصول المساعدات الانسانية للنازحين والمناطق المتاثره بالحرب، والدعوة لتوفير الحماية للمدنيين هي الاولوية والمسؤولية الاخلاقية للتيار المدني في زمن الحرب إلا أن "عادات وتقاليد" المكونات السياسية في التحالفات أبت أن تغيب عن أجندة إجتماع عنتبي فكان أن دفع نائب رئيس التنسيقية ورئيس الجبهة الثورية الدكتور الهادي حجر والدكتور سليمان صندل رئيس حركة العدل والمساوة بفكرة تشكيل "حكومة منفى" لمناقشتها ضمن أجندة الاجتماع كواحد من مسارات نزع شرعية الأمر الواقع.

علينا أن نوضح بان فكرة "حكومة المنفى" ليست بدعة سبق عليها المذكورين الأولين والآخرين فلقد فرضتها ظروف في سياقات تاريخية وسياسية مختلفة في العالم لاسباب متعلقة بالانقلابات على الشرعية او الحروب إلا أننا نعتقد بضرورة الانتباه لملائمة الفكرة للظرف السوداني الموجود الآن. ونتسائل عن هل ستكون فكرة "حكومة المنفى" بمثابة إشعار إضافة أم خصم في رصيد المساعي التي تقودها التنسيقية لايقاف الحرب ومعالجة آثارها؟

أطفأ طرح فكرة "حكومة المنفى" الضوء عن بقية الأجندة الإخرى في إجتماع تنسيقية "تقدم". وبالتأكيد سيؤثر ذلك على البيان الختامي للاجتماع على الرغم من إجتهاد رئيس تنسيقية "تقدم" الدكتور عبدالله حمدوك في إمتصاص آثار الاختلاف على الفكرة من أساسها داخل الهيئة القيادية للتنسيقية برفع مناقشتها لآليه تم تشكيلها من الاجتماع.

الفكرة ووفقاً لما هو كائن في الظرف السوداني تُعثّرها أسباب عديده وتجعلها محفزة لاستمرار الإنقسام داخل الصف السياسي المدني وداخل المجتمع السوداني هذا إن لم نقل بان الفكرة ستدعم خطاب الحرب وتستدعي النموذج الليبي في تقسيم البلاد والنموذج اليمني.

ماكان مُتاحاً للصف السياسي المدني على أيام تحالف الحرية والتغيير من تأييد شعبي عريض واتفاق دولي على ضرورة التغيير لسلطة إنقلاب يونيو89 بالشرعية الثورية التي فرضها الشارع لا أظنه سيكون سهلاً أمام "حكومة منفى" فالأقليم حولها لم يحسم أمره بشكل نهائي تجاه السلطة الحاكمه في السودان.

صحيح ان تحالفات الاقليم ومنظماته كانت قد سمّت موقفها من سلطة إنقلاب 25 اكتوبر وعلق الاتحاد الافريقي عضوية السودان تأسيسا على ذلك، الا ان هذه هي حدود الاتحاد التي لاتستطيع دوله ان تتعداها الى دعم "حكومة منفى" في بلد كالسودان بظرف الحرب الحالية وكذلك المجتمع الدولي الذي تميل مواقفة الى التسويات التي تخدم مصالحة أولاً.

لمصلحة التنسيقية الآن أن يكون ترتيب الأولويات في أجندتها لوحدة كامل الصف المدني لأجل وقف إطلاق النار وحشد المساعدات الانسانية وفتح مسارات آمنه لوصولها لكل المحتاجين والبحث مع شركاء السلام في العالم عن آليات لحماية المدنيبن ورصد كل الإنتهاكات بحقهم دون أي "إرتجال" لخطاب يُعزز الإنقسام ويضُخ المزيد من الدماء في خطاب الحرب.

ولمصلحة التنسيقية أيضا الاهتمام بموجهات الاجتماع نفسه في عنتبي بدعم جهود الآليه المكونة للاتصال بالمكونات خارج جسم "تقدم" والاهتمام بتوسيع هياكل التحالف السياسي لضمان شمول التمثيل لان نجاح الآليه المكونه في ذلك يشكل أكبر رصيد يضاف لجهود إيقاف الحرب في السودان.

معرض الصور