السياسة من المكان الخطأ
يوسف عبد الله
لعشرين شهرا تدور في السودان حرب واسعة النطاق، تجري أحيانا بغير سلاح. قدر ضحاياه بأعداد ضخمة غير محصية، لكن الأرقام تصل إلى الآلاف، فضلا عن الملايين ممن هم بين لاجئ في دول الجوار أو نازح داخل جغرافيا البلاد، وصاحب مجريات الحرب تدمير لغالبية البنى التحتية في الخرطوم وبعض المدن والبلدات.
في الواقع، بدأت الحرب بعد سنتين من انقلاب عسكري نفذ ضد على حكومة فترة انتقالية أعقبت سقوط نظام الإخوان المسلمين بثورة سلمية مشهودة، وبدأت في الأصل من أجل النزاع حول السلطة بين قائد الجيش وقائد مليشيا الدعم السريع، الشريكان في الانقلاب على المسار الديمقراطي المخطط له.
التحليل أعلاه المتعلق بالسلطة هو التحليل الأولي المعتمد لشرح متن الحرب، لكن الدافع السلطوي فقط لم يكن فعالا بما يكفي ليعطي الحرب مشروعيتها وخطابها المقنع لدى الرأي العام المحلي، مثلما فشل سابقا خطاب الانقلاب في وأد أهداف ثورة ديسمبر السلمية، وبالتالي خلق حاضنة اجتماعية لتأييده.
هذا الفشل في صناعة الخطاب المتماسك دفع أصحاب الحرب إلى ابتكار سوق من الإساءة الجماعية والإرباك الاجتماعي ليتداولها الناس بالكثير من الفزع الذي يحجب العقل والمنطق، في بلد هو في الأصل يصارع اقتصاديات هشة، من جهة، ومتعدد الثقافات والديانات والأفكار وسبل كسب العيش، من الجهة الأخرى.
مَثَلَ هذا السوق المحتشد بعبارات العنصرية والكراهية العلامة الأبرز لحقبة سياسية ممتدة من حكم الإخوان المسلمين، أخذت تتكرر في عدة مناسبات. وفي الواقع، لن يجد أكثر الناس سعة في الخيال فرصة لمناقشة ومعالجة خطاب هذا السوق من خلال حقل العلوم السياسة؛ إنه في أصله يوجد هناك، في حقل الدراسات الأخلاقية. وبالطبع هذه نزعة لا يباركها أي ميثاق للشرف.
في الواقع فإن سريان هذا الخطاب لا يمكن أن تحده حدود؛ فبطريقة أو بأخرى، مثل الإنترنت ومجاله العمومي فائق السرعة دعامة مهمة للترويج لخطاب الحرب وخطاب الإساءات الجماعية، وانتشرت في ثناياه خطابات غاية في الركاكة والانحطاط الأخلاقي، وأخذت تسري بسهولة لتصل إلى جمهور أوسع في المجتمع المتعدد.
لقد انفتح الباب أمام حالة مقيتة من تصفية الحسابات والأخذ على الهوية بين الأجناس.