عيون الصغار ورسومات على جدار الحرب
رقية الزاكي
في أحد مراكز إيواء النازحين في مدينة بورتسودان، شرقي السودان، كان المكان مكتظاً بالأطفال الذين يرافقون أسرهم الفارين من جحيم الحرب. تجمّع بعض هؤلاء الأطفال في مشهد مألوف داخل المعسكر، حول رسومات رسمها أحدهم، لم تخرج عن صور الأسلحة التي باتوا يعرفونها جيداً. كان الطفل يرسم الدانات والمدافع والمسيرات، والأسلحة الصغيرة التي يرددون أسماءها ببراءة مشوبة بالخوف. كان هذا المشهد بمثابة لمحة من الحرب عبر عيون هؤلاء الصغار، الذين عاشوا أهوالها بكل تفاصيلها.
وقالت والدة أحد الأطفال، فائزة صالح، النازحة من مدينة أم درمان، إن أطفالها تأثروا بشدة بالحرب ورحلة النزوح التي بدأت من أم درمان والجزيرة حتى بورتسودان. وأضافت، وعيناها تدمعان "صغاري الآن يرسمون الدانات والمسيرات، فقدوا حياتهم الطبيعية". وتابعت فائزة قائلة "أطفالي عانوا كثيراً من النزوح ومن مأساة الحرب، ويسألونني دائماً: يا أمي، متى تنتهي الحرب؟ متى نرجع إلى بيتنا ومدرستنا وأسواقنا؟". وكانت أكثر ما يخيفها هو تغير سلوك أطفالها واهتمامهم برسم المدافع والدانات، وعندما تسألهم عن السبب، يجيبون: "هذا هو حالنا الآن".
أما تأثيرات الحرب على الأطفال، فقد اقتصر الحديث عنها في معظم الأحيان على الأرقام، مثل عدد الأطفال الذين فقدوا التعليم والصحة وغيرها من الحقوق. لكن الأثر النفسي على هؤلاء الأطفال يبدو أشد قسوة وأكثر إيلاماً.
تجسد حالة الطفلة عبير صالح، النازحة مع أسرتها من ولاية الجزيرة، هذا الواقع بكل معاناته. عبير، التي وصلت إلى بورتسودان بعد رحلة شاقة عبر محطات كثيرة، اكتفت في حديثها المقتضب بقول "حصلت لينا حاجات كتيرة". عبير، التي كانت على أعتاب الصبا، قطعت بعض المسافات في "كارو" يجره حمار، ومسافات أخرى في عربات مكشوفة للشمس والبرد. قالت عبير: "ركبنا الكارو وقضينا ثلاثة أيام، ثم انتقلنا من دفار إلى حافلة حتى وصلنا القضارف، وبقينا في السوق الشعبي ثلاثة أيام لأننا لم نملك المال. ثم جاءت امرأة وقالت لنا: زوجي معه عربة، وسنحملكم معنا. سافرنا معها إلى كسلا، وهناك التحقنا بمجموعات من النازحين، ثم غادرنا إلى بورتسودان".
زاد من معاناة الأطفال تأثير الحرب على التغذية، حيث يعاني أربعة ملايين طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية. وحسب تصريحات السلطات الصحية، فإن عدد المرضى من الأطفال يفوق عدد الأسرّة في المستشفيات. الأزمة الإنسانية التي يعاني منها الأطفال شديدة، وتزداد الآثار الكارثية نتيجة زيادة موجات النزوح إلى المدن الآمنة.
وفي حديثه عن الوضع في مستشفى الأطفال بمدينة بورتسودان، قال الدكتور أيمن عبد القادر، المدير الطبي للمستشفى، إن أعداد المرضى، خاصة الأطفال النازحين من مختلف ولايات السودان، قد زادت بشكل كبير منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023م. وأضاف أن المستشفى اضطر إلى وضع ثلاثة مرضى على سرير واحد بسبب الازدحام. كما حُرم العديد من الأطفال من تلقي التطعيمات الروتينية بسبب النزوح المستمر.
في ظل هذه الظروف الصعبة، لا يزال عشرات الأطفال في انتظار معالجة مشاكل برنامج التحصين بسبب الحرب. وقد رسمت النازحة حليمة عبد الله، والدة طفلة مريضة، خطوطاً توضح معاناة طفلتها مع المرض والنزوح والحرب.
ومع تصاعد المعاناة، بدأ الاهتمام الدولي بظروف الأطفال في السودان يتزايد، حيث رصدت منظمة الهجرة الدولية في بيان لها، أن نحو مليون شخص نزحوا مؤخرًا بسبب الحرب، مما زاد من أعداد الأطفال المتأثرين بالأوضاع الإنسانية المأساوية التي غيّرت أحلامهم وطموحاتهم