رجال بلا رحمة
محمد غلامابي
عن إنتهاكات الدعم السريع لحقوق الإنسان بولاية الجزيرة:
تذخر ولاية الجزيرة بوسط السودان بمواردها الغنية، حيث إرتبطت الولاية على مدى أكثر من قرن بمشروع الجزيرة العملاق، والذي يعد من أكبر المشاريع الزراعية المروية في إفريقيا المدارية، وظل المشروع لسنوات عديدة من اعمدة الاقتصاد السوداني، وبسبب قيام المشروع أصبحت الولاية قبلة لمجموعات سودانية من الداخل والخارج، شكلت تنوعا فريدا، نتجت عنه حياة طابعها الاساسي هو التعايش السلمي، كما نهضت صناعات عديدة إرتبطت بالمشروع مثل صناعة السكر، والنسيج، والزيوت، والصابون، وغيرها.
مع بداية حرب الخامس عشر من أبريل للعام 2023م بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع استقبلت ولاية الجزيرة أكثر من نصف مليون نازح من الفارين من الحرب بالخرطوم.
لكن في 19 "ديسمبر" للعام 2023م اقتحمت قوات الدعم السريع مدينة "ود مدني" عاصمة ولاية الجزيرة، ونتج عن ذلك إنتهاكات واسعة بحق المدنيين؛ تمثلت في القتل خارج نطاق القانون، والاعتقالات؛ والاحتجاز التعسفي، ونهب سيارات المواطنين؛ والمنازل؛ ومخازن الاغاثة؛ والمنشآت التجارية؛ والصناعية؛ ومخازن الحبوب لدى المزارعين.
بنشر قوات الدعم السريع للفوضى؛ وحالة اللاقانون في مدن وقرى الولاية التي اقتحمتها؛ افسحت المجال للمزيد من النهب للممتلكات؛ والترويع؛ والتخويف؛ بواسطة مجموعات اجرامية كانت قائمة؛ أو تلك التي تشكلت حديثا مع دخول الدعم السريع للولاية.
ففي الفترة من 7 مارس وحتى 16 ابريل من العام 2024م شنت قوات الدعم السريع 145 هجوما على قرى ومدن ولاية الجزيرة أدت لمقتل 248 مواطن واصابة 347 ٱخرين.
وفي ابريل للعام 2024م أعلنت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان عن مقتل 28 شخصا واصابة 240 ٱخرين في قرية "أم عضام" بمحلية الحصاحيصا في هجوم شنته قوات الدعم السريع. وفي الثلاثين من ديسمبر للعام 2023م هاجمت قوات الدعم السريع "المدينة عرب" بجنوب الحزيرة؛ عبر سيارات الدفع الرباعي القتالية، وقتلت في الهجوم 3 من المدنيين بسوق المدينة؛ ونهبت المحال التجارية ونشرت الخوف؛ والرعب وسط المدنيين مما اضطرهم الى النزوح خارج المدينة.
وفي 13 يونيو للعام 2024م هاجمت قوات الدعم السريع قرية "الشيخ السماني" جنوب الجزيرة؛ باسلحة ثقيلة أدت لمقتل 20 مواطنا وعدد غير محصور من الحرحى والمصابين، وقد شمل القتل النساء والأطفال. أما في فبراير 2924م هاجمت قوات الدعم السريع بالأسلحة الثقيلة عبر عربات الدفع الرباعي القتالية؛ والدراجات النارية قرية "ود البليلة" بغرب الجزيرة؛ وفرضت حصارا محكما على القرية ليومين قتلت فيه 6 مواطنين وجرحت العشرات، ومن ثم قامت بنهب ممتلكات المواطنين بما في ذلك مخازن الحبوب.
وفي الصباح الباكر من يوم الأربعاء الخامس من يونيو لهذا العام هاجمت قوات الدعم السريع قرية ود النورة بالعربات القتالية، وفتحت أسلحتها الثقيلة على الأهالي بصورة عشوائية، لتحصد أرواح قرابة 200 شخص، واصابت 2000 وعدد من المفقودين. وأقتحمت القوات المهاجمة بيوت المواطنين، وقامت بالقتل الشنيع للرجال، والنساء، والأطفال، وقد أقرّت يونيسيف بمقتل ما لايقل عن 35 طفلا واصابة 29 ٱخرين خلال هجوم الدعم السريع على "ود النورة".
ويعد الهجوم على "ود النورة" الأسوا؛ والأبشع منذ انطلاقة الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 ابريل للعام 2023م؛ ولا يدانيه إلا هجوم الدعم السريع على مدينة الجنينة غربي السودان بعد اسبوع واحد من انطلاقة الحرب. وفي السابع من يونيو 2024م اصدر مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الانسان فولكر تورك بيانا حول عمليات القتل "بودالنورة" بولاية الجزيرة؛ حيث ذكر انه "يشعر بالصدمة العميقة حيال التقارير التي تفيد بوقوع عمليات قتل وحشية للمدنيين بقرية "ود النورة" بولاية الجزيرة في وسط السودان؛ التي تعرضت لهجوم من قبل قوات الدعم السريع. المعلومات التي جمعها مكتبي تشير الى ان قوات الدعم السريع استخدمت اسلحة ذات ٱثار واسعة النطاق بما في ذلك قذائف المدفعية".
وفي جانب تدمير المؤسسات العامة والخاصة، وبحسب بيان لشبكة أطباء السودان نشرته في 22 يوليو لهذا العام قالت فيه "ان قوات الدعم السريع نهبت الأجهزة والمعدات الطبية وخرّبت كليتي الطب والمختبرات بجامعة الجزيرة". وبمتابعات للشبكة فإن 6 مستشفيات رئيسية؛ و10 مستشفيات خاصة تم تدميرها وخروجها بالكامل عن الخدمة بولاية الجزيرة؛ بجانب تدمير واخراج حوالي 150 مركزا علاجيا واخرى لتلقي الرعاية الصحية الأولية، وذلك في اعقاب اقتحام تلك القوات لمدن وقرى الولاية واستباحة القرى وقتل وتهجير السكان القرويين).
وفي 21 ديسمبر 2023م اعلن محافظ مشروع الجزيرة عمر مرزوق عن سرقة مدخلات مشروع الجزيرة الزراعي؛ من قبل قوات الدعم السريع، كما وجه برنامج الاغذية العالمي اتهامات لهذه القوات بنهب مستودعاته التي كانت تحوي نحو 2500 طنا من المواد الغذائيه كافية لاطعام حوالي 1.5 مليون شخص، من بينهم 20 الف طفل يعانون من سؤ التغذية.
وفي مايو 2024م اعلنت منظمة "أطباء بلا حدود الاسبانية" تعليق عملها بمستشفى ود مدني التعليمي في ولاية الجزيرة بسبب المضايقات والعراقيل التي يتعرض لها موظفوها بحسب بيان صحفي لها، وقالت المنظمة "إن فرق عملها تعرضت ولمدة ثلاثة اشهر لحوادث أمنية متكررة؛ بما في ذلك نهب المستشفى مما أثّر في قدرتهم على تقديم الرعاية الطيبة".
أما في ملف الاعتداءات الجنسية، فقد نشرت صحيفة "الجريدة" السودانية في 15 مارس 2024م تقريراً عن نقابة الأطباء السودانيين اصدرت فيه بيانا يدين استخدام قوات الدعم السريع للعنف الجنسي، وذكر التقرير ان القوات اغتصبت إثنين من النساء المرافقات لأطفالهن في مستشفى الحصاحيصا للاطفال؛ وممرضة واحدة بالمستشفى كانت قد تصدت للجنود المعتدين.
كما وثقت حملة "معا ضد الاغتصاب والعنف الجنسي" في الفترة من 29 فبراير حتى 15 ابريل 2024م، 326 حالة اغتصاب؛ منها 137 حالة تعود للاطفال؛ كان نصيب ولاية الجزيرة منها 29 حالة إغتصاب للأطفال. واكدت المسؤولة الاقليمية للمبادرة الاستراتيجية لشبكة نساء القرن الافريقي "صيحة" هالة الكارب توثيق 250 حالة إغتصاب؛ وعنف جنسي على مستوى السودان؛ من بينها 75 حالة موثقة بولاية الجزيرة؛ في الفترة من ديسمبر 2023م؛ وحتى ابريل 2024م بواسطة قوات الدعم السريع. وبالطبع تفتقر تلك الارقام لضحايا العنف الجنسي وعمليات الاغتصاب الى الدقة وذلك بسبب وقوع تلك الاعتداءات في مناطق الحرب، حيث تنعدم او تضعف شبكات الاتصالات. يضاف الى ذلك المحمول الثقافي بالجزيرة، الذي يرى في الاعتداءات الجنسية والاغتصابات عارا، يتخطى الضحايا الى اسرهم، بل وقبائلهم، ومجتمعاتهم.
ختاما وبموجب القانون الدولي الإنساني؛ يصنّف النزاع المسلح الدائر الٱن في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وأي قوات أخرى ترتبط بطرفي النزاع "نزاعا مسلحاً داخلياً" تتقّيد فيه الأطراف كافة بالقانون الإنساني الدولي، خاصة المادة "3" المشتركة في اتفاقيات جنيف الاربع لعام 1944م؛ وكذلك البروتوكول الإضافي الثاني لسنة 1977م، فهل إلتزم طرفي النزاع بذلك؟
عنونت منظمة مراقبة حقوق الإنسان "هيومان رايتس ووتش" تقريرا لها في العام 2015م بـ (رجال بلا رحمة) في سياق رصدها لإنتهاكات جسيمة مماثلة لقوات الدعم السريع في دارفور، ونستعير ذات العنوان اليوم من المنظمة الدولية، لأن ذات الرجال بما فعلوه بالأمس بدارفور، وبما يفعلونه اليوم بولاية الجزيرة يؤكد فعلا أنهم "رجال بلا رحمة".