16/12/2024

الإغاثة بين الإعاشة والفساد

مواطنون
جولة قصيرة في أسواق وأرصفة عدد من المدن السودانية، وعلى رأسها بورتسودان العاصمة الإدارية المؤقتة للبلاد، تكشف عن جانب مظلم من الفساد: أسواق ممتلئة بمواد الإغاثة التي كان يُفترض أن تصل إلى مستحقيها.
منظمات دولية وإقليمية وأممية أرسلت شحنات ضخمة من المساعدات الإنسانية لتخفيف آثار الحرب الاقتصادية. لكن هذه المواد لم تسلم من أيدي الفاسدين الذين وجدوها فرصة لجني الأرباح.

تسرب الإغاثة
رصدنا خلال جولة ميدانية وجود مواد الإغاثة في منازل مواطنين لا تنطبق عليهم معايير الاستحقاق. وبحسب المعلومات التي حصلنا عليها، فإن هذه المواد تُباع بطرق مختلفة: إما من خلال أسواق معروفة أو مباشرة من الأفراد. اللافت أن بعض عمليات البيع تتم داخل مراكز إيواء النازحين أنفسهم.

داخل أحد مراكز الإيواء في بورتسودان، بدت تجارة مواد الإغاثة أمراً علنياً لا يخفى على أحد. إحدى النازحات، التي فضلت عدم ذكر اسمها، أكدت أنها تبيع مواد الإغاثة لنساء من الأحياء المجاورة، مضيفة أن هناك أخريات يقمن بنفس الفعل، حيث يبعن السكر والدقيق والزيت بكميات كبيرة.

وتقول النازحة: "نبيع هذه المواد لتأمين المال لشراء احتياجات أخرى لا تشملها الإغاثة."

فيما تضيف أخرى: "أحياناً نشتهي أطعمة معينة مثل الفول أو البيض، ونضطر لبيع بعض مواد الإغاثة لتوفير المال لشرائها."

أسواق علنية
محمد فضل، بائع متجول في أحد أسواق بورتسودان، اعترف بأن المواد التي يبيعها هي من ضمن الإغاثة، موضحاً أنه يشتريها من تجار جملة، الذين يبدو أنهم يشكلون حلقة رئيسية في سلسلة فساد معقدة.

في تصريح مثير، أقر د. عبد القادر عبد الله، مسؤول حكومي في ملف الشؤون الإنسانية، بتسرب مواد الإغاثة إلى الأسواق. وأشار إلى مسؤولية ثلاث جهات رئيسية: مفوضية العون الإنساني، جهاز الأمن والمخابرات، وأمن المجتمع.

وأكد عبد القادر أن هذه الجهات مطالبة بمراقبة وجهة الإغاثة وملاحقة أي مخالفات. وأضاف: "وجود هذا الكم من مواد الإغاثة في الأسواق يؤكد وجود خلل أو تواطؤ."

قبل عام، ضبطت قيادة منطقة البحر الأحمر العسكرية نحو 30 شاحنة محملة بمواد الإغاثة في الأسواق، رغم تأكيد وزير المالية، د. جبريل إبراهيم، آنذاك أنه سيتولى توزيعها شخصياً. لكن الشكاوى ظلت تتزايد بشأن عدم وصول هذه المساعدات إلى مستحقيها.

أفراد في منظمات دولية معنية بالمساعدات أكدوا، دون الكشف عن هوياتهم، أن قوانين المنظمات صارمة في مكافحة الفساد. لكنهم اعترفوا بأن الفساد في السودان يشكل معضلة حقيقية، مشيرين إلى أن بعض الموظفين المحليين أو المشرفين في معسكرات النازحين قد يكونون متورطين.

في مناطق مثل الجيلي والريف الشمالي، يعاني السكان من ندرة الغذاء وارتفاع أسعاره. وبينما تُوزع مواد الإغاثة في مناطق مجاورة، يُلاحظ بيعها بأسعار مرتفعة في الأسواق المحلية.

ملايين مهدرة
مما لا شك فيه أن عمليات الفساد المتكررة في مجال الإغاثة الإنسانية تمثل كارثة إنسانية وأخلاقية. فبين شاحنات الإغاثة المفقودة وعمليات البيع العلني، تُهدر ملايين الدولارات التي كان يمكن أن تخفف من معاناة المحتاجين.

في ظل غياب الرقابة الفعالة وتواطؤ بعض الجهات، يبقى ملف الإغاثة الإنسانية في السودان مفتوحاً على أسئلة كبرى حول الفساد والمساءلة. هل ستتخذ الجهات المسؤولة خطوات حاسمة لإيقاف هذا النزيف؟ أم أن جيوب الفاسدين ستبقى تنتصر على احتياجات المنكوبين؟

وكانت وكالة رويترز قد ذكرت في تقرير لها اوائل الشهر الجاري، ان برنامج الغذاء العالمي قد اشار في تقرير له في 30 أغسطس، ويحمل علامة سري، الى مجموعة من المشكلات في استجابة البرنامج في السودان، من بينها "تحديات لمكافحة الاحتيال".

كما نقلت الوكالة في اغسطس الماضي عن 11 مصدرا مطلعا إن برنامج الأغذية العالمي يحقق مع اثنين من كبار مسؤوليه بالسودان بشأن اتهامات تشمل اختفاء وقود والاحتيال وإخفاء معلومات عن المانحين حول قدرته على توصيل المساعدات الغذائية للمدنيين وسط أزمة الجوع الشديدة التي تشهدها البلاد.

وقالت خمسة مصادر لرويترز إن المحققين يبحثون في إطار التحقيق بشأن ما إذا كان موظفو البرنامج سعوا للتستر على دور مشتبه به للجيش السوداني في عرقلة المساعدات في ظل الحرب العنيفة المستمرة منذ 16 شهرا مع قوات الدعم السريع شبه العسكرية.

وأوضحت بعض المصادر أن برنامج الأغذية العالمي يحقق أيضا في اختفاء إمدادات وقود بالسودان، وأنه يجري مراجعة عاجلة في اتهامات تتعلق بسوء الإدارة في عملياته.

وردا على سؤال من رويترز عن التحقيق قال برنامج الأغذية العالمي إن اتهامات لأفراد بسوء السلوك فيما يتصل بمخالفات في العمليات بالسودان تخضع لمراجعة عاجلة من جانب مكتب المفتش العام. ورفض التعليق على طبيعة المخالفات المزعومة أو وضع موظفين بعينهم.

معرض الصور