17/12/2024

السودان في إنتخابات المفوضية الأفريقية

خالد ماسا

بنوع من "الفقر" أو "الرُعونة" أو كلاهما معاً كانت تُدار الدبلوماسية السودانية طوال العقود المنصرمة الآخيرة متبعة بذلك منهج سبقته عليها دول مدرسة التمرد على النُظم الدبلوماسية الاقليمية والدولية والتي لم تحصد غير العُزلة والانقطاع عن سياق المجتمع الدولي ودفعت شعوبها تكاليف هذه الفوضى الدبلوماسية ثمناً باهظاً.

هُتاف مجاهدي النظام السابق "أمريكا روسيا قد دنا عذابها" لم يكن أهزوجة عسكرية لرفع معنويات المتدربين العسكر بل كان خطاباً دبلوماسياً سئ التحضير من النظام الحاكم وقتها، وهو كان بداية لبناء الطوق الدبلوماسي الذي عزله عن المجتمع الدولي، وشدد عليه الخناق بالعقوبات والحصار السياسي والإقتصادي، والتصنيف المؤدي لخناق، أضعف قدرته على الصمود بتكتيكات التلاعب على تناقضات السياسة الدولية، والإعتماد على حلف التمرد الدولي الذي لم يصبر كثيراً أمام قوة نظام الدبلوماسية الدولية الذي تفرضة دول ومنظمات صانعة قرار.

جزء كبير من أسباب تعقيدات الوضع الذي يجلس فيه السودان الآن وهو في حالة حرب منذ عامين لدية علاقة بوضع الدبلوماسية السودانية إقليمياً ودوليا، حيث انه يمكن وبوضوح قراءة تأثير هذا الوضع على حرب السودان التي إندلعت في أبريل ووجدت أن السودان في عٍزلة من محيطة الأفريقي بسبب تعليق عضويته في الاتحاد الافريقي جراء قرارات 25 اكتوبر والتي سماها الإتحاد بالإنقلاب على السلطة المدنية لتقطع هذه الوضعية الدبلوماسية الطريق أمام مشاركة إيجابية للاتحاد في حل أزمة الحرب في السودان الذي لم يكتفي بذلك فقطع وريد آخر يربطة بالمحيط الافريقي وعلق عضويته في المنظمة الافريقية للتنمية "إيغاد" هكذا دون أدنى إعتبار للمترتبات.

في فبراير من العام القادم ستنعقد إنتخابات قيادة مفوضية الإتحاد الأفريقي في مقر الاتحاد بالعاصمة الاثيوبية أديس ابابا. ولا يُمكننا ان نتغافل عن آثار إستمرار تعليق عضوية السودان في الاتحاد الافريقي وإرتباطة بهذا السباق الانتخابي إذ هو الآن من ضمن 6 دول إفريقية أخرى لايسمح لها وضعها بدخول هذا السباق في قيادة المفوضية الافريقية. وليس هذا فحسب بل أنه وإن عاد السودان للبيت الأفريقي فانه سيظل بعيدا عن قيادة المفوضية الأفريقية لأعوام عديدة قادمة وذلك لأن القمة الأفريقية المنعقدة في فبراير المنصرم كانت قد أقرت في إجتماعها تطبيق مبدأ التناوب بين مناطق القارة الخمس لتعزيز فكرة التمثيل العادل في قيادة الاتحاد الافريقي وفرصة الترشيح لمنصبي الرئيس ونائبه في إنتخابات المفوضية الافريقية في فبراير العام المقبل كانت من نصيب دول شرق وشمال أفريقيا التي ينتمي اليها السودان والتي تستمر دورتها لاربع سنوات.

تأتي أهمية السباق الانتخابي القادم لقيادة المفوضية الافريقية من زوايا عديدة يمكن ان نقرأ بها التأثيرات على المشهد السوداني.

داخلياً يجب ان تعلم الحكومة السودانية بان الانقطاع عن الاتحاد الافريقي في ظرف الحرب لا يوفر أوضاعا دبلوماسية جيدة وقد يكون سببا في الاتجاه لاختيار او فرض حلول للأزمة السودانية لا تتفق ورؤيتها للحل خاصة وأن الامم المتحدة ومجلس أمنها وفي كل المبادرات التي طُرحت أعطت الاتحاد الافريقي حقه في التعامل مع أزمة الحرب في السودان وهذا مايُفسّر حالة الفتور التي قابل بها الاتحاد الافريقي كل مبادرات الحل التي لم تأتي عبر منصاته.

خارجياً يمكن قراءته من خلال الاجندة والبرامج الانتخابية للمرشحين لمنصب الرئيس في المفوضية الافريقية والذي إنحصر بين الجيبوتي محمود علي يوسف عميد وزراء الخارجية الافارقة والكيني رايلا أودينقا رئيس الوزراء الكيني السابق والمدغشقري ريتشارد راندريا وزير المالية السابق فاننا سنجد بأن حرب السودان كانت حاضرة بقوة سواء من خلال المناظرة التي عقدها المرشحون في ديسمبر او في جلسات النقاش التي حضرها سفراء الدول الافريقية وممثليها الدائمين لدى الاتحاد الافريقي.

المرشح الجيبوتي الاوفر حظاً في الفوز بمنصب الرئيس في المفوضية الافريقية والذي يحظي بالدعم المطلق من دول الجامعة العربية ومنظمة التعاون الاسلامي والكتلة الفرانكوفونية كان قد تحدث بشكل مباشر عن الاوضاع في السودان. وهو يرى بأن تعليق عضوية السودان في الاتحاد ليس الحل وتحدث تحديدا في ملف الأمن والسلم وضرورة تفعيل دور لجنة الرؤساء الافارقة وسُبُل تحقيق مبادرة الاتحاد الافريقي في إسكات صوت البنادق في القارة.

والاهم من ذلك هو تركيزة على ضرورة سد الفراغات الامنية في القارة والتي تستغلها القوى الخارجية للتدخل وقال بان الحالة السودانية تعد الحالة الابرز في ذلك. وحمّل الجيبوتي دول الجوار السوداني المسؤولية في معالجة الحالة السودانية وقال بضرورة توفير التمويل اللازم لتفعيل "قوات الاحتياط الافريقية" مايمكن الاتحاد الافريقي من الاستجابة السريعة للأزمات وهي الرؤية التي تتسق تماماً مع المبادرة التي قدمها الاتحاد الافريقي للحل في السودان وكانت أيضا ضمن مشروع القرار الذي قدمته بريطانيا على طاولة مجلس الامن.

رئيس الوزراء الكيني السابق رايلا اودينقا لايقل حظاً في هذا السباق فدولته حظيت بدعم الاغلبية الافريقية عند الترشح للمقعد الدائم في مجلس الامن وكان قد ركز على مخاطبة جذور الصراعات في إفريقيا وإنهاء دور الانقلابات العسكرية في تداول السلطة في القارة.

هنالك إتفاق حول المشكلات الجوهرية في بناء الخطاب الدبلوماسي السوداني من وزارة الخارجية السودانية إبان فترة الحرب، وانه كان حجر عثره أمام أي مبادرة للحل. ولم يخرج صاحب القرار في الحكومه السودانيه عن هذا الاتفاق بقرار تعيين وزير خارجية جديد في التغييرات الوزارية الآخيرة والذي يجب أن يضع إعتباراً للمنهجية المطلوبة في دبلوماسية السودان وإصلاح الخراب الدبلوماسي كواحد من أهم طرق الحلول لازمة الحرب في السودان التي تجنبه الحلول الغير مرغوب فيها والتي يمكن أن تعقد الاوضاع أكثر مما هي عليه الآن.

معرض الصور