18/12/2024

المبادرة التركية والحلقة المفقودة في طريق حل الأزمة السودانية

خالد ماسا

ولايزال .. لايزال "بازار" المبادرات الدولية للتعامُل مع الأزمة التي خلقتها حرب ابريل في السودان مفتوحاً على مصراعيه أمام كل من يستطيع أن يُزايد على قيمة مبادرته التي يطرحها.

ويُمكننا أن نستشعر وبكل وضوح محددات ومحركات بروز هذه المبادرات ذات العلاقة بالمتغيرات على مستوى المواجهات العسكرية في ميدان القتال، وتقلبات السياسة الدولية المتاثرة بحروب أخرى مشتعله بين روسيا وأوكرانيا وحرب غزة والاوضاع في لبنان وسوري،ا والصراع المشتعل على المصالح في منطقة البحر الأحمر فتتراوح أزمة الحرب السودانية مكانها صعوداً وهُبوطاً من حيث الاهتمام الدولي والإقليمي.

ومن حيث الجوهر لم تختلف تفاصيل كل المبادرات التي تم تقديمها من حيث رؤيتها بان تقوم المبادرات على اساس جمع قيادة القوات المسلحة السودانية وقيادة قوات الدعم السريع على طاولة تفاوض وتقريب وجهات النظر بينهما للوصول لوقف إطلاق النار وبشكل أو بآخر قد تدخل العصا او الجزرة الى غرفة التفاوض.

تلك هي الفكرة التي قام عليها منبر جدة التفاوضي برعاية الولايات المتحدة الامريكية والمملكة العربية السعودية (طرفي صراع + وسيط = حل تفاوضي). وقد نرُد العذر هنا الى التوقيت المُبكِر للوساطة عبر منبر جدة بدايات الحرب، ووقتها لم تكن ملامح الحرب قد أخذت تشعباتها التي بدات تتكشف لاحقا باستمرار الحرب لعامين وصارت معادلة (طرفي صراع + وسيط = حل تفاوضي) غير كافيه لإنجاح مبادرات الحل للمشكل السوداني.

بهذه المعادلة جاءت مبادرات الاتحاد الافريقي والمنظمة الحكومية للتنمية "إيغاد" والوساطة الاوغندية والكينية والجيبوتية. وقرأ المبعوث الامريكي الخاص للسودان توم بيريليو منذ ذات الكتاب وهو يسعى كوسيط بين طرفي المعادلة المذكورة أعلاه وكذلك لم يخالفه في المنهاج مبعوث الامين العام لمنظمة الامم المتحدة الجزائري رمطان لعمامره فأتت مساعيهم متطابقة في المساعي ومتطابقة في النتائج.

التغييرات في معادلات مبادرات الحل لأزمة الحرب في السودان بدأتها الجارة مصر في مبادرة دول الجوار ليضاف مكون جديد في معادلة الحل، وهي الدول المؤثرة والمتأثرة بالحرب. وقامت عليها الدعوة التي رعتها الولايات المتحدة الامريكية في مؤتمر "جنيف" وكانت الاضافة في معادلة الحوار والتفاوض هو صفة المُراقبين" التي أدخلت دولتي مصر والإمارات وبعض المنظمات، الامر الذي دفع الوفد الحكومي السوداني لإعلان المقاطعة.

بالإتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان برئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان تكون تركيا قد دخلت عملياِ لسوق المبادرات المطروحة لحل الأزمة السودانية ولكن بكيمياء جديدة تختلف معادلاتها عن المعادلة المعمول بها في سابق المبادرات.

تركيا أردوغان تركت معادلة (طرفي صراع + وسيط) كما هي ليعالجها منبر جدة التفاوضي وخاطبت بمبادرتها مسار آخر تعتقد بانه الأساس الذي يجب ان يسبق أي مبادرة إذ طرح الرئيس التركي على البرهان الوساطة لحل الأزمة بين السودان ودولة الإمارات المتحدة كمدخل لحل الأزمة برمتها.

تركيا عضو حلف "الناتو" والعضو في التحالف الغير مُعلن بينها والولايات المتحدة وإسرائيل ضد الحلف الروسي الايراني السوري في المنطقة، الآن لديها رأس المال السياسي والدبلوماسي الكافي لتقديم عرضها المقنع بالوساطة وذلك بما تحقق لإرادتها من إنتصار بسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وبالتالي كسبت الرهان في مقابل تحالف روسيا وإيران في منطقة ذات اولوية وإهتمام عال لديها والولايات المتحدة وإسرائيل.

إستعراض آخر قوي لعضلات الدبلوماسية التركية كان قد سبق الإنتصار في سوريا بتدخل الرئيس التركي أردوغان بالوساطة بين دولتي أثيوبيا والصومال اللتين وصلتا الى حافة المواجهه العسكرية بسبب مذكرة تفاهم تم توقيعها بين أثيوبيا وأرض الصومال قضت بمنح الأولى منفذ بحري وقاعدة عسكرية الشيء الذي إستدعى دخول مصر على خط الأزمة بتوقيعها اتفاقية مع الصومال ودعمها عسكريا ودبلوماسيا.

"إعلان أنقرة" الذي جمعت فيه الدبلوماسية التركية بين الخصمين الاثيوبي آبي أحمد والصومالي حسن شيخ محمود، وقضى بخفض روح التصعيد العسكري وإحترام السيادة الصومالية على كامل أراضيها وان تتحصل أثيوبيا على ميناء بحري يستخدم للأغراض التجارية والمدنية وتفك به الإختناق الذي تعانيه كدولة حبيسة. وهذا هو المكسب الذي خرجت به تركيا من هذا الإستعراض ليضاف كرصيد يؤكد أهليتها للتوسط لحل نزاعات على ذات الشاكلة في الإقليم.

وبحسب تعليق إعلام مجلس السيادة السوداني فان البرهان قد رحب بمبادرة أردوغان وأمّن على متانة العلاقات السودانية التركية وكل منا يعلم بان الدبلوماسية التركية ووفقا لما ذكرناه آنفاِ لن يفوت عليها التحضير الجيد لهكذا مبادرة ودون أن يسبق الاتصال الهاتفي المشار اليه ترتيبات مع دولة الإمارات بخصوص هذه المبادرة.

تلك هي واجبات دبلوماسية تسعى تركيا لانجازها وهي الان في قمة نشوتها بانجاز الفروض الموكولة اليها من التحالف المذكور بالاضافة لحاجتها للاطمئنان على مصالحها في القرن الافريقي بشكل عام والسودان بشكل خاص وتطلعها للعب أدوار أهم وأكبر في العالم وبروزها كلاعب رئيس في المشهد الدولي.

والسؤال المهم لدى السودانيين يبقى في هل سيصلح العطّار التُركي بمعادلة مبادرته التي أضافها لمعادلة منبر جدة ما أفسدته الحرب؟ وهل سيكون ذلك القطعة المفقودة في مبادرات الحل؟ هذا ما ستجيب عليه تطورات مابعد الاتصال الهاتفي الذي طُرحت فيه المبادرة.

معرض الصور