خسائر الحرب.. الصمت الحكومى وغياب الأرقام
رقية الزاكي
من حين لآخر، تخرج أرقام ليست حقيقية ،عن خسائر الحرب في السودان وما خلفته من دمار .وفي مقابلة خاطفة مع وزير المالية على هامش فعالية رسمية ،اكتفى وزير المالية جبريل إبراهيم، في رد على سؤالنا المباشر عن حجم خسائر الحرب، بالحديث عن تأثير الحرب دون أرقام، وجاءت إفادته على نحو "الحرب التي نشبت في أبريل حرب مدمرة للسودان، دمرت كل الصناعات الموجودة بالعاصمة ودمرت كل الشركات الموجودة كما دمرت كل الخدمات الحكومية الموجودة بالعاصمة، بالاضافة إلى التدمير الذي حدث للصناعة والتجارة والخدمات في الولايات الأخري، ليس ذلك فحسب، نزوح ولجوء أكثر من عشرة ملايين شخص من ديارهم، هذا هلك كل شيء"، ولم يتطرق الوزير لأية أرقام.
حتى الآن لم تفلح أية جهة في كسر حاجز الصمت الحكومى عن الأرقام الحقيقية. وكل ما صدر لا يخرج عن كونه مجرد تقديرات رسمية صدرت في وقت سابق، تم رصد مبلغ 200 مليار دولار، ولاحقاً خرجت أرقام تثير المخاوف سيما في ظل وجود مشاكل اقتصادية كبيرة يعاني منها السودان وتدهور عملته والتشوهات الاقتصادية التى لازمته لفترات طويلة.
مراقبون يتخوفون من غياب المعلومات الحقيقية عن حجم الخسائر وما وصفوه بالصمت المتعمد عن الادلاء بأرقام أقرب للواقع. ويرون أن الشفافية تساهم في قراءة المجتمع الدولي لحجم الخسائر واتخاذ القرارات المناسبة لحجم الأضرار، سيما وأن لغة الأرقام ديدن المنظمات الدولية والمانحين.
وفي حين غابت المعلومة الواقعية من جانب الحكومة، بدأ القطاع الخاص أكثر حرصا على إيراد حجم الخسائر. عدد كبير من رجال الأعمال وأصحاب الاستثمارات الخاصة، تحسروا على فقدانهم مبالغ ضخمة وأصول بسبب الحرب، حيث انهارت مؤسسات اقتصادية كبيرة، ودمرت بنى تحتية، بجانب ان أكثر من 90% من المصانع تدمرت وأصبحت لا تصلح للإنتاج لذلك افصح القطاع الخاص عن أرقام كبيرة لخسائرهم جراء الحرب مقارنة بالتصريحات الرسمية للحكومة.
والسؤال الذي جاءت اجابته منقوصة من وزير المالية، انتقلنا به لممثل اتحاد الغرف الصناعية معاوية البرير، وكانت إجابة البرير تحمل بعض الأرقام عن حجم الخسائر على نحو:
"حقيقة القطاع الصناعي تعرض لخسائر ضخمة طالت أكثر من 90% من المصانع في ولاية الخرطوم، وتوقف أكثر من مليون وثمانمائة ألف عامل وموظف داخل هذا القطاع ". وأشار إلى أن حجم الخسائر بلغ نحو 50,000,000 دولار بالنسبة للقطاع الصناعي، بجانب توقف أكتر من 1,800,000 عامل وموظف داخل هذا القطاع.
وقال البرير إنهم يهتمون بإعادة تشغيل القطاع الصناعي، وإرجاع العمالة المتوقفة عن العمل من الفئات والمهنيين والشباب والعاملين .
خسائر أخرى أصابت القطاع الصناعي في مقتل، لا تقل فداحة عن انهيار البنى التحتية للمصانع، تتعلق بالجانب البشرى الذى تشرد وهام على وجهه، فما يقارب 200 ألف موظف وعامل هم الآن ما بين لاجئ ونازح.
منظمات أممية أبدت اهتماما بالخسائر التى تعرض لها السودان جراء الحرب. وفي وقت سابق صدرت توقعات من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات الإنسانية (أوتشا) في السودان، عن انكماش الاقتصاد بنسبة 12% بسبب توقف الإنتاج والدمار الذي طال رأس المال البشري إلي جانب الأضرار التي أصابت قدرات الدولة .
مشاهد الدمار، تحكى عن أرقام الخسائر التى صمتت عنها الحكومة، فالمصانع المهجورة، وملامح التخريب التى طالت الأجهزة والماكينات، والأسواق التى غابت عنها الصناعات المحلية وغيرها من مظاهر ما خلفته الحرب من دمار وفقر ونزوج ولجوء خلقت مأساة انسانية غير مسبوقة.