21/12/2024

الصحافة.. مهنة في محنة

حيدر المكاشفي
تلزمني الأمانة الصحفية أن أشير في البدء إلى أن العنوان أعلاه (مهنة في محنة)، هو عنوان كتاب أصدره الدكتور محمود قلندر وهو حاليا أستاذ جامعي لمادة الاعلام. وكان قبلها قيادي بالجيش السوداني بلغ فيه حتى رتبة اللواء، وشغل في وقت سابق رئاسة تحرير صحيفة القوات المسلحة. وقد وثق الدكتور محمود قلندر الذي غادر الجيش وتخصص في الاعلام، ونال فيه درجة الدكتوارة وتفرغ للتدريس الجامعي، وثق في كتابه المار ذكره محنة الصحافة السودانية وما عانته وكابدته منذ الاستعمار، والى فترة نظام الانقاذ البائد.

ولست هنا في معرض استعراض ما جاء في الكتاب الذي خلص فيه المؤلف إلى عدة أبعاد مادية لمحنة الصحافة السودانية. واعتمادا على القوانين واللوائح والقرارات الإدارية التي صدرت من السلطات السياسية الحاكمة منذ الإدارة البريطانية وعبر أنظمة ديمقراطية ثلاثة وعسكريتين، وحتى عهد الإنقاذ، تلخصت أشكال الضبط في الترخيص والغرامة والرقابة والإغلاق ومنع التوزيع والمنع من الكتابة وطرد المحررين والحبس والتأميم والاغتيال، اذ أنني معني هنا بالمحنة الحالية والكبد والكبت الذي تعانيه الصحافة السودانية في زمان الحرب العبثية هذا، بما يشكل امتدادا للمحن التي ماتزال تعانيها الصحافة.

وتلزمني الأمانة أيضا (رضي من رضي وأبى من أبى ولكنها الحقيقة المؤلمة) أن أشير إلى أن الصحافيين السودانيون ليسوا كلهم سواء في الاحترافية والتمسك بأسس المهنة واخلاقياتها. منهم من هم كذلك يؤدون دورهم بكل تجرد ومهنية، وهؤلاء دائما ما يعانون من الخطوط الحمراء التي تضعها السلطات الحاكمة، وغالبا ما تتم جرجرتهم بسبب، هذه الخطوط المنتقصة والمنتهكة لحرية الصحافة والأداء المهني الصحيح والاحترافي، إلى النيابات والحراسات. كما يتم التضييق عليهم لدرجة الإيقاف عن العمل والمحاربة في الرزق. ونوع آخر ارتمى في أحضان السلطة وتمرغ في نعيمها وأصبح بوقا لها يناصرها بالحق وبالباطل. وهؤلاء منهم من هو محسوب على المهنة بحكم تاريخه وممارسته للمهنة، ولكنه أعلى مصالحه الخاصة على حساب مهنيته. ومنهم كذلك أصحاب الانتماءات السياسية الصارخة والأجندة الحزبية. وهنالك الأدعياء الذين لا علاقة لهم بالمهنة وهم الذين جئ بهم من خلفيات مختلفة أمنية وسياسية وعسكرية لدعم السلطة ووزعت عليهم شهادات القيد الصحفي وبطاقات الانتماء للمهنة. هذه باختصار بعض محن الصحافة من داخل بيتها للأسف الشديد.

أما محنتها من خارجها، وتحديدا في ظل هذه الحرب المدمرة، قد تضاعفت مرتين، بسبب وجود طرفين يتقاسمان السيطرة على البلاد. فكل طرف يسعى للسيطرة على الصحافة واخضاعها لمشيئته وما يشاءه كل طرف في الجزء الذي يليه. والصحافة في الحالتين هي الضائعة، لتضيع معها الحقيقة المجردة التي لا يسمح بها أي طرف (الجيش من جهة والدعم السريع من جهة اخرى). لتفقد الصحافة بذلك حرفيتها ومهنيتها وتصادم أخلاقياتها وركائزها وثوابتها، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فقد تسببت الحرب كذلك في قتل عدد من الصحافيين والصحافيات الذين فقدوا ارواحهم بنيرانها. ورصدت نقابة الصحفيين حتى الآن 15 صحفياً وصحفية على الأقل لقوا حتفهم بنيران الحرب، اما بالقتل المباشر المتعمد مع سبق الاصرار والترصد، أو نتيجة العمليات العسكرية التي تدور في المناطق المدنية، مقابل أكثر من 500 انتهاك ضد الصحفيين والصحفيات. هذا غير عمليات الاعتقال والتعذيب والتهديد بالقتل والعنف الجنسي والمنع من التغطية المتوازنة. ومازال حبل القتل والانتهاكات على الجرار طالما أن الحرب ما زالت مستمرة.

معرض الصور