21/12/2024

حرب السودان: الأرقام لا تكفي لوصف المعاناة الإنسانية

تقرير: مواطنون
وسط زحام النازحين في مركز "غرب المطار" بمدينة كسلا، التقيت أم سلمة، امرأة في العقد الثالث من عمرها. ملامحها تحمل آثار حزن عميق وخوف لم يعد بالإمكان إخفاؤه. أم سلمة، وهو اسم مستعار، تحكي قصة نزوحها القسري من قرية ود العباس إلى مدينة سنجة، تاركة خلفها أسرتها لحضور مناسبة زواج أحد أقاربها.

في يوم الزفاف، هاجمت قوات الدعم السريع المدينة وبدأت الاشتباكات. تحكي أم سلمة بصوت مخنوق وعيون مليئة بالذعر: "الطيران قسّم خالتي إلى نصفين أمام عيني. هذا المشهد لا يفارقني... أراه في كل لحظة".

نزحت أم سلمة مع سكان المدينة، مشياً على الأقدام لساعات طويلة، دون ماء أو طعام، بعد أن نهبت قوات الدعم السريع ممتلكاتهم. استقرت في كسلا لكنها فقدت الاتصال بأسرتها التي تركتها في ود العباس، لتعيش رحلة نزوح جديدة مليئة بالألم والمعاناة.

مواجهة قاسية
النساء في السودان وجدن أنفسهن في مواجهة وحشية الحرب بما تحمله من قصف، عنف، نزوح، واعتداءات جسدية وجنسية. مركز الإيواء في كسلا يستضيف 12 ألف أسرة، أغلبهم من النساء والأطفال، في ظروف قاسية.

أفاق، فتاة تبلغ من العمر 17 عاماً من ولاية الجزيرة، نزحت مع ابنة عمها سماح بعد أن قررت أسرتهما الهروب خوفاً من الاعتداءات الجنسية. تقول أفاق: "الحياة القاسية في مركز الإيواء أفضل من التعرض للاغتصاب". تضيف أنها تستعد لامتحانات الشهادة الثانوية لكنها لا تملك الكتب اللازمة للدراسة.

أما سحر، ذات الـ22 عامًا، فتروي كيف فرّت مع أسرتها من مدينة سنجة بعد أن نهبت قوات الدعم السريع ممتلكاتهم وسيارة والدها. أثناء محاولة عبور كبري الدندر، منعت السلطات المارة الراجلين، مما اضطرها للصعود إلى شاحنة، لتكتشف لاحقاً أنها تركت والدتها وأشقائها خلفها. عادت سيراً على الأقدام، وشربت من مياه الترعة لتروي عطشها، خوفاً من الوقوع في أيدي الجنود.

مأساة بلا أفق
الحرب التي اندلعت في 15 أبريل بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أجبرت أكثر من 12 مليون سوداني على النزوح، بينما تستمر المعاناة الإنسانية بلا هوادة. في مركز كسلا، أم سلمة، وهي أم لستة أطفال، تعاني في تربيتهم بعد أن فقدت زوجها في ظل ظروف غامضة. تقول بحزن: "لا أعرف إذا كان حياً أو ميتاً".

في اجتماع وزاري لمجلس الأمن، وصفت أديم وسونرو، مديرة قسم العمليات والمناصرة في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، الوضع في السودان بأنه "أزمة ذات نطاق وقسوة مذهلين". وأكدت أن الخسائر البشرية الناجمة عن الحرب المستمرة منذ أكثر من 20 شهرًا تتصاعد مع تجاهل واضح للقانون الإنساني الدولي.

الحرب في السودان ليست مجرد صراع مسلح؛ إنها مأساة إنسانية تُلقي بظلالها على الملايين من النساء والأطفال. الأرقام، رغم فظاعتها، لا تعكس بالكامل قصص المعاناة التي يعيشها السودانيون يومًا بعد يوم، وسط غياب أفق لحل قريب.

معرض الصور