الحرب على الحقيقة
ثناء عابدين
يواجه السودانيون يومياً موجات متتالية من المعلومات المُضللة التي تبثها وسائل الإعلام الرسمية لطرفي الحرب ومناصروهما، مما أدى إلى حالة من الفقدان الجماعي لليقين والثقة في مصادر الأخبار. التضليل الإعلامي لم يعد مجرد أداة لتوجيه الرأي العام، بل أصبح سلاحًا نفسيًا يستخدم لإرباك العقول، وتدمير الثقة، وزرع الشك بين أفراد المجتمع.
في عصر المعلومات، أصبح التضليل الإعلامي أحد أخطر الأدوات المستخدمة للتأثير على الوعي الجمعي، وتشويه الوقائع لخدمة أجندات معينة. تتنوع أشكال هذا التضليل وتختلف في أساليبها ودرجة تأثيرها على الرأي العام.
تتنوع اشكال التضليل من المحتوى المفبرك (Fabricated Content) الذي يعد أخطر أنواع التضليل، حيث يتم اختلاق محتوى لا أساس له من الصحة، ويقدم على أنه حقائق موثوقة. يُستخدم هذا النوع في نشر الشائعات وإثارة الفتن، مستهدفًا شرائح واسعة من المجتمع.
هناك أيضا المحتوى المزور (Fake Content)والذي يعتمد على انتحال هوية مصادر موثوقة، مثل المؤسسات الإعلامية المعروفة أو الشخصيات العامة، لإضفاء مصداقية زائفة على محتوى كاذب. يهدف هذا النوع إلى خداع الجمهور واستغلال ثقته بالمصدر المنتحل.
بجانب ذلك نجد الربط المزيف (Fake Link) والذي يتمثل في استخدام عناوين رئيسية مثيرة أو مضللة لا تعكس محتوى الخبر الفعلي. يعتمد مروجوه على ميل القراء لاكتفاء بقراءة العناوين فقط، مما يؤدي إلى تضليلهم وتشويه فهمهم للموضوع.
وهناك أيضا المحتوى المضلل (Misinformation)الذي يعتمد على نشر معلومات كاذبة أو مشوهة عمدًا لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. يُستخدم هذا النوع لإرباك الجمهور وإضعاف ثقته بالمصادر الحقيقية.
كما يوجد السياق المزيف (Fake Context) حيث يتم تقديم محتوى حقيقي في سياق مختلف أو مزيف تمامًا، مما يؤدي إلى فهم غير دقيق للوقائع. هذا النوع من التضليل يعتمد على تحوير الأحداث أو ربطها بوقائع أخرى غير مرتبطة بها.
ويتطور الأمر ليصل إلى التلاعب بالمحتوى (Content Manipulation) والذي يشمل تعديل النصوص والصور ومقاطع الفيديو بإضافة عناصر مختلقة أو حذف عناصر أساسية، بهدف تغيير الرسالة الأصلية وإعادة توجيهها بما يخدم أهداف الجهة المضللة.
بجانب كل ذلك يتم استخدام التعليقات الساخرة للتقليل من أهمية الأحداث، أو لتشويه الحقائق بأسلوب ساخر يحجب الجدية عن الوقائع، مما يؤدي إلى تشويش الرأي العام وإضعاف ثقته بالمصادر.
لا يقتصر خطر التضليل الإعلامي على كونه تشويهًا للحقيقة، بل يتعداه ليصبح انتهاكًا صريحًا لحقوق الإنسان، خاصة الحق في الحصول على المعلومات. المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، تؤكدان على أهمية حماية حرية التماس المعلومات وتلقيها ونقلها.
في ظل الحرب، أصبح هذا الحق مهددًا بشدة، حيث يسعى التضليل الإعلامي إلى تقييد هذه الحريات، وتحويل المواطنين إلى ضحايا لمعلومات كاذبة أو مشوهة.
لمواجهة هذه الظاهرة، يجب تعزيز وعي الأفراد بآليات التحقق من الأخبار والمصادر، وتوفير منصات إعلامية مستقلة وموثوقة. كما يجب على المنظمات الحقوقية المحلية والدولية التحرك بفاعلية لرصد هذا التضليل وفضحه.
ومهما يكن من أمر، يمثل التصدي للتضليل الإعلامي خطوة أساسية ليس فقط لحماية الحق في المعرفة، بل أيضاً للحفاظ على وحدة المجتمع، واستعادة الثقة، وتمكين السودانيين من بناء مستقبلهم على أسس من الحقيقة والشفافية.