22/12/2024

الحرب العبثية تقترب من إكمال عامها الثاني

عبدالله رزق ابوسيمازه

الأكيد، ان الكثيرين، ممن تفاجأوا بانفجار الصراع الثاني، الأكثر سخونة، على قمة السلطة، في الخرطوم، لم يصدقوا ان ما يحدث هو الحرب. الحرب كما خبروها، منذ أن كان السودان دارا للحرب، أكثر منه دارا للسلام. ومع ذلك، لم يكن البعض يتوقع ان يزيد عمر هذا النزاع المسلح، عن ايام وربما اسابيع، حتى ينتهي، ليعود كل شيء إلى حاله.

فلماذا استطال النزاع، ونحا نحو الحرب الأهلية الشاملة، التي تقترب الآن من إكمال عامها الثاني؟

الزميلة مريم ابشر، الصحفية بجريدة الرأي العام السودانية، لم تكن استثناء من جمهرة المتفائلين بنهاية وشيكة وعاجلة للحرب. فقد غادرت، بعد وقت قصير من اندلاع شرارة الحرب، الي مسقط رأسها في ابي حمد، في شمالي السودان، لتقضي عطلة عيد الفطر مع الأسرة. لم تأخذ معها شيئا من البيت، وتركت كل شيء على حاله، حتى انها لم تفصل الثلاجة من مصدر الكهرباء، كما قالت، وهي تحكي لي عبر الهاتف بمزيج من الحزن و مايشبه الذهول. " كلها ثلاثة أيام"، وتعود الي منزلها في حي جبرا، جنوب الخرطوم. لكنها، تفاجأت عند عودتها، بالحرب وقد سبقتها الي البيت، ودمرت كل شيء، وقضت على " شقا عمرها"، على حد تعبيرها.

لوقت طويل، على امتداد الشهور الأولى من الحرب، ظلت الآمال بحلول السلام العاجل تملأ نفوس وقلوب السودانيين، تغذيها المساعي الكثيفة المبذولة من قبل المجتمع الدولي، لانهاء الحرب، َواستئناف التقدم على طريق التحول الديموقراطي. لكن مع استمرار الاقتتال، بدأت تلك الآمال في الاضمحلال، وتجسد ذلك في تزايد حركة الهجرة والنزوح،لما يزيد عن عشرة ملايين مواطن. فقد ادي اتساع جغرافية الاقتتال، وانعدام الخدمات الضرورية، وتردي الاوضاع المعيشية للمواطنين، الي تفاقم الازمة الإنسانية، حيث قدرت الأمم المتحدة، ان25 مليونا من السودانيين تتهددهم المجاعة.

وبينما تقترب الحرب من إكمال عامها الثاني، منتصف أبريل المقبل، لا يلوح في الافق ما يرهص باحتمال عدم تمددها في عام ثالث، قادم. وقد بدا، منذ حين من الوقت، ان آليات الوساطة الإقليمية والدولية، التي ارهقها السعي بالمبادرات السلمية، بين المتحاربين، تنتظر تطورات جوهرية على صعيد الحرب في الداخل، وعلى صعيد المناخ الدولي الإقليمي، أيضا، تمكن، مع الوقت، من تعزيز جهود السلام. ولعل عودة دونالد ترامب، الي البيت الأبيض، مرة ثانية، مع وعوده، هذه المرة، بدعم السلام في العالم، وفي غزة والسودان، خصوصا، يمكن النظر إليها كواحدة من أهم التحولات وأكثرها درامية في المسرح الدولي. فمن شأنها ان تجدد الآمال، التي بدأت تذوي، باعتبارها حدثا ذا مغزى، بالنسبة لمساعي السلام، التي تصدرها الولايات المتحدة الأمريكية. فمنذ الانفجار الأول للازمة، في قمة السلطة الانتقالية، ظلت واشنطن تحتكر جهود ومساعي احتواء الازمة، واستعادة مسار التحول الديموقراطي الانتقالي.

تبدو الإجابة البديهية على سؤال: لماذا لم تتوقف الحرب، كامنة فيما يعتقد انه فقدان ارادة السلام لدي احد طرفي الحرب، او كليهما. غير ان طرفا ثالثا،محتملا، يضغط، فيما يبدو، من أجل إيجاد مكان له في التسوية الجارية، عبر مصالحة او مساومة، على حساب " استعادة مسار الانتقال الديموقراطي، بقيادة مدنية" ، والذي ظلت تروج له الولايات المتحدة، وشركاؤها في مساعي السلام وجهوده المتطاولة. غير ان مساعي انهاء الحرب الدولية، بما اتسمت به من بطء وضعف فاعلية وتأثير، وفشل، بالنتيجة، لها دورها، أيضا، في استدامة النزاع، ليرقي لمستوى النزاعات المستدامة، في اليمن وليبيا، على سبيل المثال، مع ما ينطوي عليه مثل هذا التطورمن احتمال التدخلات الخارجية، وتحول النزاع الداخلي من صراع محدود على السلطة، الي نزاع إقليمي، او حتى دولي، يهدد وحدة البلاد بالتمزق.

لكن الحرب، التي عملت على تهميش القوي المدنية كافة، لم تترك لها غير هامش ضيق للحركة المناورة، والتحريض ضد الحرب، بوسائلها المدنية السلمية، المحدودة الأثر، أيضا، ودعم الجهود المبذولة لوقف الحرب وتحقيق السلام والتحول الديموقراطي.

ان استمرار الحرب، طوال الاشهر العشرين الماضية، هو دلالة فشل تلك الجهود و المساعي المشار إليها، والتي بذلت لانهائها. مما يحتم مراجعة واعادة النظر في الرؤى والاطروحات والترتيبات المتصلة بتلك المساعي والجهود، من أجل تحسينها، واعادة بلورتها في خارطة طريق يمكن أن تحظى بقبول أطراف الحرب. تلك هي المهمة التي تنتظر إدارة الرئيس ترامب. فيما ينتظر ان تتعزز المساعي والمجهود المبذولة لانهاء الحرب، هذه المرة، باسناد ملموس بثقل البلدان والمنظمات الإقليمية والدولية، التي يبدو أنها لم تمارس، نفوذها ومالها من تأثير، بما يكفي، لحمل أطراف الحرب، للقبول بالسلام.

معرض الصور