22/12/2024

الصحافة والإعلام.. خط الإستواء المهني والاخلاقي في حرب السودان

خالد ماسا

بدأ العالم معركته ضد خطاب الكراهية عندما إستشعر خطورة تأثيرات هذا الخطاب وبدأت تمظهراته في المساس بالامن والسلام الدوليين وخرج الخبراء المجتمعين من كل أنحاء العالم بما سُمي لاحقاً باعلان الرباط في المغرب 2012 لمناهضة خطاب الكراهية ومن ثم إنتظمت الدول في تطوير آلياتها لمناهضة خطاب الكراهية إبتداء بالتفكير في إيجاد أُطُر قانونية تجعل أدوات مناهضة خطاب الكراهية أكثر فعالية ونجاعه.

ولان العالم يريد الحفاظ على أي تقدُم حققته الإنسانيه بتطور الفكر الحقوقي وعدم السماح بأي نكسات في ذلك توقف عند التقاطعات التي أوجدتها الدول وحكوماتها بين طريقتها في مناهضة خطاب الكراهية وحرية الراي والتعبير وماهية دور الإعلام في ذلك إذ إعتبر البعض بأن مناهضة خطاب الكراهية قد أتُخذ من بعض حكومات الدول كذريعه لتضييق مساحات حرية الراي والتعبير.

أطلقت حرب ابريل في السودان شيطان خطاب الكراهية وشكلت المناخ الملائم لانتشاره ولم تعد صناعته جريمة يحاسب عليها أحد ولا تداوله مسبّه في الإعلام إذ يقع خطاب الكراهية في السياق الصحفي بالإشارة للأشخاص أو المجموعات بصورة سلبية بناءاً على هويتهم بغرض التحريض ضدهم وهذا ما نراه بوضوح في الاداء الصحفي والاعلامي والمحتوى الرقمي المتداول في المنصات التفاعليه.

ومالم يتم تحصين العمل الصحفي والمشتغلين بمهنة الإعلام بوعي حقوقي كبير وإطلاع على الصكوك المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وماجاء ذكره صراحة في إعلان الرباط وإعلان نيروبي لمناهضة خطاب الكراهية والاتفاقية الدولية للحد من التمييز العنصري على سبيل المثال بخصوص مناهضة خطاب الكراهية فلن يكون للإعلام دور مؤثر بشكل إيجابي للتصدي لظاهرة الكراهية وخطابها الآخذ في الإنتشار.

المتابع للاعلام الحربي والمحتوى الاعلامي المتداول بخصوص حرب أبريل في السودان منذ يومها الاول قبل عامين سيصل الى حقيقة أن حرب أخرى يُطلق رصاصها ويُسمع دوي مدافعها بوضوح في المنصات الاعلامية والفضاء التفاعلي للسودانيين.

حرب تستخدم فيها كل اسلحة خطاب الكراهية المحرّمة أخلاقيا والمحظور على الاعلام والاعلاميين إستخدامها وفقا لكل الشرائع والنظم والاشتراطات المهنية ويتم فيها إستخدام المنصات الاعلامية كمنافذ لبيع وتوزيع المحتوى المحرض على التمييز والكراهية والحاض على التطرف العنيف تأسيساً على الجنس والنوع والمواقف السياسية لا بل صار التصدي لهذا النوع من الخطاب المحرض في حد ذاته مدعاه للتهجم والتعدي.

الباب المفتوح والفضاء التفاعلي الذي لا يضع أي سقوفات وإشتراطات مهنية وأخلاقية سمح لكل من أراد الإحتطاب في غابة الكراهية أن يدخل بفاس محتواه الذي يكتبه وينشره ويتداوله الآخرين أن يعتقد بأن الكراهية التي ينشرها هي سلاح مشروع في أوقات الحرب وطالما أنه يرغب في الإنتصار لما يعتقد فيه فلا حرج في أن تكون الكراهية هي سلاحه الماضي تجاه أعداءه المعروفين او المتخيلين.

محاولات عديده قادها الصحفيين والمشتغلين في المهنه في أوقات ماقبل حرب أبريل لجعل أداء الاعلام السوداني متناسباً مع المهام المطلوبة منه في بناء قيم الأمه السودانية والمساعده في تجاوز وتجنب كل المعيقات التي كانت سبباً في حروبه السابقه بمبادرات كتابة مواثيق للشرف الصحفي والتي تعتبر حد أعلى للضوابط والاشتراطات المهنيه من القوانيين المقيدة للحريات الصحفية.

أي تحليل إبتدائي للمحتوى الاعلامي المتداول منذ إندلاع الشرارة الاولى لحرب أبريل سيكشف وبصورة واضحة بان أحد أهم أسباب إستمرارها هو خطاب الكراهية والظواهر الملازمة لأي فوضى تصنعها الحروب على منصات الصحافة والاعلام ويتراجع بذلك خطاب الوعي والتنوير لصالح "نجوم" الحرب ونافخي كيرها وحمالي الحطب فيها.

كل الحالمين باوقات مابعد الحرب ومشروعات إعادة التعمير لكل ما خربته الحرب ينظرون وبنوع من التبسيط لآثار حرب أبريل على الدولة السودانية وهو في حدود الخراب الذي طال البنية التحية للدوله في القطاعات الخدميه والاضرار التي لحقت بالاعيان المدنية دون النظر ببصيرة الواعي بخطورة تأثيرات خطاب الكراهية على اوضاع ما بعد الحرب وصعوبة المعالجات لآثاره بعيدة المدى على أجيال رضعت من ثدي خطاب الكراهية وتربت على التميبز والتطرف العنيف الملازم لاعلام الحروب.

كان من الممكن جدا أن يكون الفضاء التفاعلي بكل أشكاله المعروفه هو إشعار الاضافة للمحتوى الاعلامي المتداول بين السودانيين أثناء الحرب وان يُستغل في أن يكون المضاد الحيوي في الجسد المريض بكل فيروسات الحرب وظواهرها الاعلامية التي تنشأ مع الحرب وتستغل فوضاها.

من الممكن جدا ان يصبح الفضاء التفاعلي بكل أشكاله هو حٍزام أمان المحتوى الاعلامي الذي يتداوله ويتعاطى معه السودانيين ويمنع عنهم إفرازات خطاب الكراهية وخطاب الحرب المتطرف وأن يكون حائط صد لسيل الكراهية والتطرف العنيف بحشد إصطفاف إعلامي ملتزم بالمعايير المهنية والاخلاقية وبحدود الاطر العامه للعمل الصحفي والاعلامي التي سمتها مواثيق الشرف دون أي مساس بمبدأ حرية الراي والتعبير ودون حجر على شخص أو جهة.

الادوات والوسائل التي يوفرها الفضاء التفاعلي وهو المتاح والمتوفر بشكل أكبر لدى صانعي المحتوى الرقمي تخدم وبشكل كبير جدا مبدأ حرية الراي والتعبير وهي القيمة الأصل في العمل الصحفي والاعلامي وهي التي تعطي قيمة لما يتم إنتاجه من محتوى صحفي واعلامي يعزز تحقيق أهداف خرج الشعب السوداني لتحقيقها في ثورته المجيده الا وهي الحرية والسلام والعدالة ومامن حرية تتحقق برأي أو تعبير يتعدى حدوده للمساس بحق الآخرين ومامن سلام في مجتمع تتم صناعته بخطاب الكراهية ومامن عدالة تنالها الشعوب بخطاب التمييز والتحريض القائم على الجنس أو النوع والهويه أو الدين والموقف السياسي.

العمل الاعلامي والصحفي في اوقات الحرب يحتاج لخط إستواء مهني وإخلاقي .. يحتاج لاعلام وصحافة ملتزمين بالوقوف وبوضوح ضد الانتهاكات التي تنتجها الحرب أي كان مرتكبيها والوقوف لحراسة بوابات الحقوق المدنية بكل أشكالها والدعوة والتنوير بضرورة الالتزام بما اتفقت عليه الانسانية تجاه ضحايا الحرب بعكس مانراه الان من الشهوات الاعلامية لتسويق الانتهاكات باعتبارها إنتصارات أو تبريرها باعتبارها فعل مشروع ومباح.

يجب ان يتعلم دعاة الكراهية والتطرف العنيف والمحرضين على إستخدام المحتوى الصحفي والاعلامي بان هذا النوع من المحتوى يقابله محتوى متطرف وعنيف ويصنع الدوافع لدى الاخرين لمقابلته بمحتوى مساو له في القوة ومضاد له في الاتجاه.

هنالك ثوابت يجب الا يكون هنالك أي إختلاف حولها ولا التراجع عن الالتزام بها عند صناعة أو كتابة أي محتوى صحفي واعلامي وهذه الثوابت لاعلاقة لها على الاطلاق بترسيم حدود قانونية تقلص مساحات حرية الراي والتعبير بل هي القيم الاخلاقية والمهنية التي تفتح الآفق أمام المشتغلين بالمهنه ليكونوا ويكون محتواهم الذي ينتجوه يخدم قيم الحرية والسلام والعدالة ويحافظ على تماسك المجتمعات ويعزز من مناعتها ضد الكراهية والتمييز والتطرف العنيف.

محتوى صحفي وإعلامي يعف عن الترويج للتمثيل بضحايا الحرب والاحتفال بانتهاك حقوق الاسرى والمصابين وسلامة المدنيين في أوقات الحرب.

الصحافة والاعلام سلاح ماضِ في الحروب ويمكننا رؤية تأثيراته على جهود إطفاء حريق السودان المشتعل منذ عامين وتأثيراته على المزاج العام الداعي لوقف إطلاق النار وحماية المدنيين من الانتهاكات التي توقعها الحرب إن لم يكن كذلك هو الاداة المُستغله لتحقيق كل مامن شانه تمزيق وحدة النسيج السوداني ومنع أي محاولة لاعادته لُحمته وتماسكه.

خطاب الوعي والتنوير هو رجل الإطفاء لهذا الحريق المشتعل بسبب الحرب ومطلوب من المؤمنين به أن يواجهوا هذا التكاثر لمنصات الكراهية والتحريض بكل ظواهرها السالبه المصاحبه حتى تنجو أمتنا من هذا الداء العُضال.

معرض الصور