23/12/2024

حرب أبريل: بريطانيا، الإمبراطورية التي غابت شمسها عن السودان

خالد ماسا

المملكة المتحدة "بريطانيا" ماقبل حرب ابريل في السودان كانت حاضرة بكامل لياقتها السياسية والدبلوماسية لدفع عجلة قطار الفترة الإنتقالية وذلك حتى قبل يوم واحد من منتصف شهر الحرب بالدخول عبر ماسُمي وقتها بالإليه الرُباعيه والتي ضمت الى جانبها الولايات المتحدة الامريكية والسعودية والامارات والذي إنتهى الى التوقيع بشكل آطاري على اتفاق سياسي في الخامس من ديسمبر أي قبل اربعة أشهر من إندلاع الحرب وكان من المفترض أن يكتمل بعملية سياسية ماتت فيها الأم والجنين معا صبيحة الخامس عشر من أبريل بإنطلاق اول رصاصة وبعدها غابت "شمس" الإمبراطورية البريطانية عن سماء السودان.

القراءة في مشهد الدبلوماسية الدولية في العقود الاخيرة المنصرمة ستقودنا الى تأكيد انه لم يعُد من الممكن الحديث عن دور " الامبراطورية التي لاتغيب عنها الشمس" وعن تأثير المملكة بتاريخها المرتبط بالسودان والضارب في القِدم باعتباره من الدول التي كانت تحت التاج البربطاني حتى 1956 إذ صارت بوصلة مواقفها مرتبطة بموقف وتحركات الولايات المتحدة الامريكية سلماً كانت أو حرباً.

وباستثناء "منبر جدة" والذي يعتبر إمتداد لتكاليف الآليه الرباعية باستبعاد دولة الامارات والمملكة المتحدة ومبادرة دول الجوار التي دفعت بها الجاره مصر فان الغائب الابرز كانت هي بريطانيا عن سوق المبادرات لحل أزمة حرب السودان باعتبارها لم تكن بعيدة عن الاطلاع على تعقيدات الملف السياسي السوداني.

"البُرود الانجليزي" تجاه ملف السودان عبرت عنه المملكة المتحدة دبلوماسياً عندما قامت بالغاء منصب المبعوث الخاص لها في الخرطوم وجوبا وإكتفت بمهام المبعوث البريطاني لشؤون القرن الأفريقي على الرغم من أنها تحمل الآن صفة "حامل القلم" بالنسبة للسودان داخل الامم المتحدة والمسؤولة عن صياغة القرارات داخل مجلس الأمن والشواهد الان وواقع الحرب يقول بان الاداء البريطاني إبان فترة حرب السودان كان "باهتاً".

وقد يقول قائل بأن الحراك الآخير الذي قامت به المملكة المتحدة في جلسة مجلس الأمن الخاصة بالسودان وتقديم ممثلها لمشروع قرار يدعو لايقاف الحرب والزام الطرفين بالعودة لما تم التوقيع عليه في منبر جدة التفاوضي والبحث عن سبيل لحماية المدنيين وفتح مسارات آمنه لوصول المساعدات كان تعبيراً واضحاً عن عدم "نسيان" السودان بحسب التعبير الذي إستخدمه وزير خارجيتها وأنها مازالت موجودة في الخضم السياسي الدولي المهتم بالحرب في السودان إلا أنه يمكننا أن نقول بأن حافر المملكة المتحدة لم يُفارِق حافر الولايات المتحدة الأمريكية وان المشروع الذي قُدِم للتصويت عليه من قبل الدول الاعضاء في مجلس الامن هو بالأساس "طبيخ" امريكي تم طهيه في أواني بريطانية.

سقط المشروع البريطاني بشان الحرب داخل مجلس الأمن على الرغم من حصولة على 14 صوت من إجمالي 15 صوت يحق لهم التصويت بقاضية "الفيتو" الروسي ولاعلاقة لهذا السقوط باي حال من الأحوال بما تم الاحتفاء به في نواحي التناول المُضلِل في الاعلام السوداني وغوغاء الدبلوماسية الكذوبة.

سقط الدور البريطاني في قضايا السودان بعد أن توهمت الامبراطورية بان مجرد وجود السيد جايلز ليفر على رأس "مكتب" لها في الخرطوم أو أن وجود مبعوثها للقرن الافريقي والبحر الأحمر جوليان رايلي سيمكنها من القراءه الجيدة في الملف السوداني وبالتالي عبّرت بوضوح عن فتور واضح تجاه الملف المهم في السودان والذي تتابعه دولة مثل روسيا باهتمام بالغ لدرجة إستخدام ورقة "الفيتو" وليتلقى خد الدبلوماسية البريطانية صفعتين في آن.

الأولى بسبب مواقفها من الحرب الروسية الأوكرانية وهي بالأساس مصنفه كما أشرنا آنفاً كتابع لتوجهات الولايات المتحدة الامريكية والثانية بسبب الغياب عن مذاكرة تعقيدات الملف السوداني منذ ذهاب آخر سفير لها في هذا البلد (عرفان صديق) ويبدو وأنه قد فاتها الكثير في شان أحد أهم مستعمراتها القديمة.

"فيتو" القواعد العسكرية الروسية في سوريا والذي لم يستخدم لانقاذ الحليف الأبرز والأهم في المنطقة وعاصمته دمشق تتداعى امام قوات المعارضة يجب ان يكون الدرس المهم للدبلوماسيين نصف الإستواء ليتعلموا ايضا مثل بريطانيا بضرورة القراءة المتعمقه لمشهد السياسة الدولية وعدم الغياب عنها للحظة.

عادت المملكة المتحدة لتقول بان تأتي متأخراً لملف الحرب في السودان خير من أن لاتاتي وقامت بتسمية الدبلوماسي بخارجيتها السيد ريتشارد كراودر مبعوثاً خاصا لها في السودان على الأقل لاجل لملمة ما بعثره التصويت على مشروع القرار بخصوص السودان داخل مجلس الأمن.

بريطانيا، الامبراطورية العُظمى لم يخرج مبعوثها في اول مهامه ولقاءآته في السودان مع رئيس مجلس السيادة من حدود ما انتهت اليه دول صغيرة ومؤثرة في "إيغاد" بالدعوة لابقاف الحرب والحديث عن معونات قدمتها دولته للمتأثرين بالحرب في الوقت الذي لاتحتمل فيه أزمة الحرب في السودان المزيد من العجز الدولي ومقابلات العلاقات العامة التي يقوم بها الدبلوماسيين لأغراض المجامله والتوقيع في دفتر عزاء الشعب السوداني في محنته.

لم تعُد فلسفة المبعوثين الخواص للدول والحكام فكرة مقنعه بتعاظم الاهتمام بحيث تبدأ بها بريطانيا مراجعاتها لسياساتها في أفريقيا وفي السودان على وجه الخصوص من حيث انتهت الولايات المتحدة الامريكية والتي إختتم مبعوثها الخاص توم بيريليو مهمته بذات اللقاء البرتكولي وغادر فما إستقام "عود" الدبلوماسية الامريكية وبالتالي لن يستقيم "ظلها" البريطاني مالم تعاد قراءة الملف بروح ورؤيه دبلوماسية جديدة تستوعب تعقيدات الملف السوداني وما إستجد عليه بعد عامين من الحرب خرجت فيها الحسابات من حدود السودان وعبرت لحدود قضايا الاقليم ذات الارتباط بالملف وتأثرت بخطوط الترسيم في المصالح الدولية.

معرض الصور