24/12/2024

الأزمات في العالم: السودان في صدارة التصنيف

خالد ماسا

ومن المُستغرب جداً في بلد مثل السودان حيث "الأزمة" كتاب مفتوح يقرأ فيه كل من يخرج الى الشارع لمتابعة الشأن العام أو الذي ينتظر في داره حتى تأتيه أزمات هذا البلد بقدميها ودون ان تطرق عليه الباب وتدخل عليه بتسورها الحالة الاقتصادية أو الصحية أو الأمنية ويكون دخولها بالتأكيد دون إستئذان من المستغرب ان تتم "شيطنة" كل أجراس التحذير من هذه الأزمات وتصنيفها بحسب الهوى السياسي الذي خلق مناخاً سياسياً غاية في الاحتقان.

الكُل مأخوذ بمظان السوء طالما ان هنالك زرقاء تكتب وتقول بأن شجر الأزمات يسير باتجاه السودان وان شعب كالشعب السوداني وُصفت أرضه في ساعة أُحسِن فيها الظن بماء النيل والتراب بأنه سلة غذاء العالم على اعتاب المجاعة بسبب الحرب التي تدور رحاها لما يقارب العامين وأن مايقارب 25 مليون سوداني من إجمالي تعداد السكان يعانون من الشُح الحاد في الغذاء والبقية إن حصلوا عليه فيكون بكل كَبَد.

ولان حالة "الإنكار" هذه ليست حالة خاصة بالسودان فقط بل هي حالة تنتاب كل العاجزين عن مواجهة قضايا شعوبهم بنوع من المسؤولية والشجاعة كانت هنالك ضرورة لانشاء منظمة دولية غير حكومية تتمتع بالإستقلالية والحياد في العام 95 تحت مسمى "مجموعة الازمات الدولية" تُعيد للعالم ضميره ووعيه الغائب عن توقع أزمات كالتي حدثت في الصومال ورواندا والبوسنة ودفعت البشرية بسبب إنكارها ارواح الملايين من شعوب تلك البُلدان.

وللعام الثاني على التوالي ظل إسم السودان يُزاحم غيره من دول العالم المأزومة بالجلوس في المقاعد الأمامية للتقرير السنوي لخبراء "مجموعة الازمات الدولية" المصدر العلمي والحيادي والمستقل للحكومات والمنظمات الدولية وعلى راسها منظمات الامم المتحدة والذي ياتي مسنوداً بالمعايير الدولية ومؤشرات قياس الأزمات وفقاً للتعريفات المعتمده للأزمات في مقابل حالة "الإنكار" الجهولة لواقع صار هو على راس أي سوداني وسودانية عايشوا الظروف التي صنعتها حرب أبريل.

حالة الإنكار التي نرجوا الا تكون أداة أخرى من ادوات الحرب لاتُقدِم الحلول وتصُم أُذُنيها عن أجراس الانذار التي يطلقها مثل هذا التصنيف.

وجود السودان في اعلى قائمة تصنيف الازمات الدولية لعامين يستوجب التعامل بعقلانية أكبر من تسطيح التعريف لمفهوم "السيادة" والاستعمار فالسودانيين الذين فقد اكثر من 80% منهم مصادر رزقهم تماماً بسبب الحرب وفقدت العملة المحلية كامل صحتها أمام العملات الاجنبية وعاد "التضخُم" في اقتصاد الدولة لخانة الثلاث أرقام بحسب الجهاز المركزي للإحصاء ويُقدر الخراب الذي طال النظام الصحي بحسب التصريح الرسمي لوزير الصحة الاتحادي مايقارب 11 مليار دولار وخروج مستشفيات بشكل كامل من الخدمة بسبب الحرب وكذلك المرافق التعليمية والخدمية كخدمات الكهرباء والمياه وأن 230 الف طفل وإمراة حامل يتهددهم الموت جوعاً وفوق على ذلك التناقص الكبير في حجم المساحة المزروعة وفقدان المخزون من المحاصيل وانقطاع طرق نقل البضائع والمواد الغذائية.

النظر لهذا النوع من الأزمات من منظور سياسي في الغالب هو متأثر بالموقف من الحرب نفسها وهذا فيه إضرار كبير بضحايا هذه الازمات من المدنيين على وجه الخصوص خاصة وأن المجتمع الدولي عليه مسؤوليات أخلاقيه تجاه الشعوب المتاثرة بالازمات وفي بلد بظروف السودان حيث تفتقد مؤسسات القرار لادوات قياس الازمات وتقدير تأثيرها وضعف أداء المنظمات المحلية في سياق قراءة مؤشر الازمات إما لعدم الحياد أو عدم الاستقلالية يبقى هذا التصنيف مهم ويجب التعامل معه بحساسية عالية.

واحدة من مسؤوليات "مجموعة الأزمات الدولية" هي دعم نظام عالمي قائم على القوانين وليس على القوة بخاصة التاثير على قرارات الامم المتحدة والهياكل المؤسسية في ما يتعلق بتطبيق المعيار الدولي الجديد وهو "مسؤولية الحماية". حماية المدنيين في اوقات الحروب على وجه الخصوص وتأثيراتها كالتي نراها الان بسبب حرب ابريل في السودان.

تطاول أمد الحرب وتمددها لتشمل جغرافيا جديدة يعني التحديث في الارقام التي رصدتها منظمة اللاجئين واللجنة الدولية للصليب الأحمر واليونيسيف وبقية المنظمات ذات العلاقه وبالتالي لن يتزحزح إسم السودان من صدر قائمة تصنيف مجموعة الازمات الدولية خاصة وانها أزمة في أقليم وجغرافيا هشّه وغير مستقرة وفيها دول تزاحم السودان في تصنيف الازمات "اثيوبيا نموذجاً".

الفعل الايجابي المطلوب الآن وبشكل عاجل هو ان يكون هذا التصنيف والتقارير الداعمة له على الأقل في ذهن اللجنة العليا التي اعلن عنها المجلس السيادي للتعاون والتنسيق مع الامم المتحدة ومنظماتها حتى يجد السودان مخرجاً من نفق حالة الإنكار الى حلول يمكن بها إنقاذ ما يمكن إنقاذه من ضحايا هذه الحرب اللعينة.

وعلى المجتمع الدولي بكل منظماته ومستوياته ان يتخلى عن سُلحفائيته وبطئه في التفاعل مع هذه الازمات وان ينتبه لأزمة البيروقراطية بداخله، وان البشرية ماعادت تحتمل إضافة متحف آخر للضحايا وإن يبعد منظور مصالح الدول صاحبة القرار فيه والذي تقيّم به الازمات بإختلال واضح طوال تاريخ الازمات في العالم والا يذهب مجهود الخبراء المبذول لقراءة الازمات والتنبوء بها وتوصيف الحلول للتعامل معها ادراج الريح والى سلة مهملات المجتمع الدولي.

معرض الصور