27/12/2024

امتحانات الشهادة السودانية في زمن الحرب: قنبلة موقوتة!

محمد السيسي (محامٍ)

في ظل الأوضاع المأساوية التي يمر بها السودان، تبرز قضية إجراء امتحانات الشهادة السودانية لعام 2023 كأحد التحديات الكبرى التي تواجه البلاد. السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستكون هذه الامتحانات هي الأخيرة في السودان الموحد، أم أنها ستصبح أولى خطوات الانقسام؟

التعليم هو حق أساسي نصت عليه المواثيق الدولية والإقليمية والوطنية. فقد أكدت المادة (26) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: "لكل شخص الحق في التعليم، ويجب أن يوفر التعليم مجانًا على الأقل في مرحلته الابتدائية والأساسية، ويكون إلزاميًا".

كما أشارت المادة (13) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966 إلى ضرورة توفير التعليم دون تمييز.

في القانون الإنساني الدولي، حُددت التزامات لحماية المدنيين والمؤسسات التعليمية خلال النزاعات المسلحة. حيث أوضحت اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها ضرورة حماية المدارس والمعلمين والطلاب من أي استهداف، والتمييز بين المدنيين والعسكريين أثناء العمليات العسكرية.

أما على الصعيد الوطني، فقد نص دستور السودان لعام 2005 في المادة (13) على إلزامية التعليم الأساسي ومجانيته، وهو ما أكدت عليه أيضًا الوثيقة الدستورية لعام 2019 في المادة (62)، التي شددت على أن التعليم حق لكل مواطن دون أي تمييز.

رغم النصوص القانونية التي تضمن حق التعليم، إلا أن الواقع الحالي في السودان ينذر بكارثة تعليمية، حيث تسببت الحرب في:

1. دمار المؤسسات التعليمية: تضرر أكثر من 14.400 مدرسة بشكل مباشر.

2. تحويل المدارس إلى ثكنات عسكرية: أصبحت المدارس مساحات يستخدمها أطراف النزاع.

3. تحويل المدارس إلى مراكز إيواء: في المناطق الآمنة، لجأ النازحون إلى المدارس كملاذ أخير.

4. هجرة المعلمين: اضطر أكثر من 350.000 معلم لمغادرة المهنة بحثًا عن بدائل بسبب انقطاع الرواتب.

5. تفاوت التعليم بين المناطق: استمر التعليم في بعض المناطق، بينما توقف تمامًا في أخرى، ما يُنتج ظلمًا هيكليًا.

إضافةً إلى ذلك، هناك مخاطر أخرى محدقة، مثل استهداف المدارس بالقصف أو المسيرات خلال الامتحانات، فضلًا عن قانون "الوجوه الغريبة" الذي يُعرّض الطلاب للخطر عند تنقلهم بين مناطق النزاع.

في ظل هذا الوضع المعقد، هناك خيارات مطروحة قد تسهم في تخفيف الأضرار:

1. تأجيل الامتحانات: انتظار تحسّن الظروف الأمنية لضمان سلامة الطلاب.

2. مقاطعة الامتحانات: كخيار احتجاجي ضد الإصرار على إجرائها في ظروف غير مواتية.

3. هدنة تعليمية: الاتفاق بين أطراف النزاع على هدنة مؤقتة تُتيح إجراء الامتحانات بأمان.

4. إشراف دولي: التعاون مع منظمات مثل اليونيسف لضمان نزاهة الامتحانات وحماية المشاركين.

لا شك أن التعليم هو ركيزة أساسية لنهضة الأمم، لكن تحويله إلى أداة للمزايدات بين الأطراف المتحاربة يهدد مستقبل الأجيال. مقتل طالب أثناء الامتحانات أو حرمان آخر من المشاركة قد يؤدي إلى انقسامات وجدانية بين أبناء الوطن الواحد، مما يُعمّق الصراعات بدلًا من حلها.

إن إجراء امتحانات الشهادة السودانية في ظل الحرب الحالية ليس مجرد تحدٍ تعليمي، بل هو اختبار للوحدة الوطنية والقدرة على تجاوز الأزمة. التعليم حق لا يمكن التنازل عنه، وضمانه لجميع الطلاب دون تمييز يجب أن يكون أولوية وطنية فوق كل الخلافات.

معرض الصور