07/01/2025

طرق كثيرة للموت: وسط الحرب المنسية في السودان

المصدر: slguardian.org
بينما تغيب الشمس على بقايا الخرطوم المتفحمة، تجد سلمى أحمد العبيد نفسها غارقة في حزن عميق على مقتل ابنها بشكل مأساوي، بينما تكافح ابنتها الصغيرة غيداء للبقاء على قيد الحياة بعد إصابتها في الهجوم نفسه. كان موت محمد، ابنها البالغ من العمر ست سنوات، سريعاً وعنيفاً، إذ قضى في لحظة نتيجة قذيفة دمرت منزلهم وقلبت حياتهم رأساً على عقب.

العنف الذي اجتاح السودان منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023 لا يظهر أي مؤشرات على التراجع. تم تأكيد وفاة أكثر من 150,000 شخص، وتشريد أكثر من 11 مليوناً. ومع ذلك، فإن حجم الدمار لا يمكن اختزاله في هذه الأرقام وحدها. وفقاً لصحيفة "التايمز" البريطانية، فإن 90% من ضحايا الحرب لم يتم توثيقهم بسبب صعوبة تسجيل الوفيات في المناطق التي تدور فيها معارك ضارية بين طرفي النزاع للسيطرة.

سلمى، التي وجدت ملاذاً في مستشفى النو المكتظ، تروي المأساة التي ألمت بعائلتها. تقول: "كنا مختبئين في القبو عندما سمعنا القصف. صرخت غيداء: ماما، ماما وهي مصابة. ثم رأينا محمد... رأسه وذراعه... كانا مفقودين". لا يمكن التعبير عن حزن الأم بالكلمات، ولكن الشعور بالعجز الذي يرافقها يترك أعمق الآثار.

في السودان، تشهد أمهات مثل سلمى أهوالاً لا توصف يومياً: أطفالهن يموتون تحت أنقاض المباني أو بفعل شظايا القذائف أو بسبب الجوع. ورغم الألم الهائل، يستمر الكفاح من أجل البقاء. غيداء، رغم جراحها ومعاناتها، ما زالت على قيد الحياة، وهو ما تعتبره سلمى معجزة بحد ذاته. ومع ذلك، فإن التعافي في المستشفى غير مضمون، حيث تعاني من نقص حاد في الإمدادات الطبية والطاقم الطبي المرهق. فقد تم تدمير أكثر من 60-70% من البنية التحتية الصحية في السودان، مما يجعل مستشفيات مثل النوى تعمل تحت ضغط هائل مع موارد متناقصة.

المآسي ليست حكراً على الخرطوم. فقد تحولت مناطق كاملة من البلاد إلى ساحات معارك يتعرض فيها المدنيون للقصف والإعدامات والانتقام الوحشي. وتفاقم نقص الموارد لرعاية المصابين نتيجة انهيار المؤسسات الحكومية المحلية، مما يزيد من التكلفة البشرية لهذا الصراع. آلاف الأطفال، مثل غيثاء، يعانون من سوء التغذية، ونشأت جيل من الشباب السوداني وسط العنف والحرمان.

بعيداً عن التأثيرات المباشرة للحرب، فإن التداعيات طويلة الأمد أكثر كارثية. السودان، الذي يتمتع بثروات طبيعية وثقافية غنية، أصبح الآن على حافة الانهيار. المؤسسات الاقتصادية في حالة سقوط حر، كما أن جهود المساعدات الدولية تعاني بسبب العنف المستمر. وأبرزت صحيفة "التايمز" الضغط الهائل على المنظمات الإنسانية التي تكافح للتعامل مع المشهد السياسي المجزأ وتقديم المساعدة للملايين المحتاجين.

المجتمع الدولي يظل صامتاً إلى حد كبير إزاء هذه الأزمة. ورغم محاولات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية تقديم الدعم، فإن حجم الدمار يجعل من الصعب تحقيق تأثير ملموس. العديد من اللاجئين فروا إلى دول الجوار مثل تشاد ومصر وإثيوبيا، لكن هذه الدول هي الأخرى تعاني من تدفق الأعداد الكبيرة للنازحين.

مع استمرار الحرب، يزداد الغموض حول مستقبل السودان. حزن سلمى يشاركه الكثيرون ممن فقدوا كل شيء – منازلهم وأحباءهم وأي مظهر من مظاهر الحياة الطبيعية. وبينما يستمر عدد الضحايا في الارتفاع، يظل الجانب الأكثر قسوة في الحرب هو الغموض حول من سيبقى على قيد الحياة ليشهد يوماً جديداً. بالنسبة لسلمى، يكمن الأمل في بقاء غيداء على قيد الحياة، لكن حتى هذا الأمل يظل محفوفاً بالخوف، حيث يحمل كل يوم تحديات جديدة يجب التغلب عليها.

في ظل بيئة الموت الدائم والخوف الذي لا يفارق، تبرز قصص مثل قصة سلمى كدليل على صمود الإنسان وكفاحه المستمر من أجل البقاء، لكنها تظل تذكيراً قاسياً بتكلفة الحرب الباهظة – دمار أمة، وحياة تغيّرت للأبد، وبراءة ضاعت وستطارد أجيالاً قادمة.

معرض الصور