26/03/2025

حرب السودان.. موتى بلا قبور

وكالات ـ مواطنون
أمام منزله المثقوب بالرصاص في العاصمة السودانية التي مزقتها الحرب، وقف جميل مرجان رافعًا يديه دعاءً لروح والدته فوق كومة من التراب.

لم يكن هناك شاهد قبر، بل لوح خشبي خشن يُشير إلى مكان دفن والدته.

قال لوكالة فرانس برس، وعيناه المحتقنتان بالدماء تلمعان من الإرهاق: "لم نستطع نقلها إلى مقبرة".

عندما توفيت والدته في مارس 2024، كانت العاصمة السودانية منطقة حرب، مزقتها قرابة عام من القتال بين الجيش النظامي وقوات الدعم السريع شبه العسكرية.

كانت الطرقات مليئة بالأنقاض، والقناصة يتربصون على أسطح المنازل، والمقاتلون يجوبون الشوارع، يسرقون أو يعتدون على المدنيين أثناء مرورهم.

لم يكن أمام مرجان خيار آخر. قال لوكالة فرانس برس: "اضطررنا لدفنها أمام باب منزلنا".

ليس وحيدًا. في أنحاء الخرطوم الكبرى، جعلت الحرب، التي اندلعت في أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع، من شبه المستحيل على العائلات دفن موتاهم.

مع عدم وجود ممر آمن إلى المقابر الرسمية، اضطرت العائلات إلى حفر القبور أينما أمكنها ذلك - في الأفنية الخلفية والشوارع والأراضي المهجورة.

في الأحياء الأكثر تضررًا، أصبحت الشوارع التي كانت تعج بالأسواق وبائعي الشاي الصباحي تصطف الآن على جانبيها قبور حُفرت على عجل.

لقد أودى الصراع بحياة عشرات الآلاف، وشرّد أكثر من 12 مليون شخص، وخلّف أكبر أزمة نزوح وجوع في العالم.

في الخرطوم وحدها، توفي أكثر من 61 ألف شخص لأسباب مختلفة خلال الأشهر الأربعة عشر الأولى من الحرب، وفقًا لمدرسة لندن للصحة والطب الاستوائي - بزيادة قدرها 50% عن معدل الوفيات قبل الحرب.

ووجد التقرير العام الماضي أن 26 ألف حالة وفاة من بين هذه الوفيات تُعزى مباشرة إلى العنف.

من ملاعب إلى مقابر -

في أحد أحياء مدينة أم درمان، المجاورة للخرطوم، تحوّل ملعب كرة قدم قديم إلى مقبرة مرتجلة.

تُعلّم القبور بألواح خشبية، أو خردة معدنية، أو في بعض الحالات، بسبورة سوداء بسيطة كُتب عليها اسم باللون الأبيض.

تقف سيارات مقلوبة ومدمرة، صدئة تحت أشعة الشمس، في مكان قريب.

يقول السماني محمد السماني، وهو حفار قبور متطوع: "كانت هذه الشوارع عادية في السابق".

ويضيف لوكالة فرانس برس: "الآن، تجد جثثًا مدفونة أمام المنازل".

وحتى هذه المقابر المؤقتة ليست بمنأى عن الأذى.

يقول السماني: "تعرضنا للقصف هنا في هذه المقبرة. امتلأ الشارع بالجثث المتحللة".

ويقول إن محاولاته للوصول إلى المقابر الرسمية قوبلت بالعنف من قبل قوات الدعم السريع.

قال السماني: "حاولنا الوصول إليهم مرات عديدة، لكن قوات الدعم السريع هزمتنا ومنعتنا من الوصول".

وأضاف: "عدنا إلى ديارنا حاملين نعوشًا".

اتُهم كلٌّ من الجيش وقوات الدعم السريع بارتكاب جرائم حرب، بما في ذلك استهداف المدنيين عشوائيًا وقصف المناطق السكنية والمرافق الطبية عمدًا.

لكن قوات الدعم السريع، على وجه الخصوص، اتُهمت بالتطهير العرقي والعنف الجنسي الممنهج والنهب على نطاق واسع.

بعد قرابة عامين من الصراع، يقترب الجيش الآن من استعادة كامل الخرطوم من الميليشيات شبه العسكرية، بعد استعادته القصر الرئاسي ومؤسسات الدولة الرئيسية هذا الأسبوع.

لكن قوات الدعم السريع لا تزال تشن هجمات جديدة على الأحياء السكنية وتسيطر على أراضٍ في مناطق نائية من البلاد.

معرض الصور