تم التحديث: ٢٧ أكتوبر ٢٠٢٥ 08:26:49

الصورة: مواطنون
ماذا تعني سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر عسكرياً وسياسياً؟
مواطنون
أدت التطورات الأخيرة في المشهد الميداني العسكري، بعد إعلان قوات الدعم السريع سيطرتها على رئاسة الفرقة السادسة بمدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، إلى إرباك المشهد العام في الداخل والخارج.
يرى مراقبون أن حسم المعركة في الفاشر لن يكون مجرد انتصار عسكري، بل خطوة فارقة قد تحدد مستقبل البلاد، إما عبر تعزيز وحدتها أو الدفع بها نحو واقع انقسامي جديد.
عملياً سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر يعني خروج كل دارفور من معادلة الدولة. كما يعني سيطرتها على حدود ممتدة من المثلث في الكفرة بليبيا إلى أم دافوق مع أفريقيا الوسطى وجنوب السودان.
أولاً: من الناحية العسكرية
انهيار آخر معاقل الجيش في دارفور: الفاشر كانت آخر مدينة كبرى في دارفور تحت سيطرة الجيش السوداني رسميًا، وتُعد مقرًا مهمًا للمنطقة العسكرية الغربية. بسقوطها، تكون قوات الدعم السريع قد أحكمت السيطرة الكاملة تقريبًا على إقليم دارفور، بما في ذلك مدن نيالا والجنينة وزالنجي والضعين.
تحوّل استراتيجي في موازين القوى: السيطرة على الفاشر تعني أن الدعم السريع أصبحت يمتلك عمقًا جغرافيًا واسعًا يمتد من الحدود التشادية غربًا حتى مشارف كردفان شرقًا. هذا يمنحها خطوط إمداد آمنة عبر الحدود مع تشاد وأفريقيا الوسطى، وهو ما يصعب على الجيش تنفيذ عمليات مضادة فعالة.
عزلة الجيش في غرب السودان: بفقدان الفاشر، يفقد الجيش موقعًا محوريًا للتموين والقيادة الميدانية في دارفور. عمليًا، يصبح تركيز الجيش محصورًا في ولايات الشمال والوسط والشرق.
احتمال انتقال المعارك شرقًا: قد يستخدم الدعم السريع الفاشر قاعدة لانطلاق العمليات نحو الأبيض أو كردفان وربما نحو شمال السودان لاحقًا، ما يوسّع رقعة الحرب جغرافيًا.

ثانيًا: من الناحية السياسية
تعزيز موقف الدعم السريع في أي مفاوضات قادمة: السيطرة على الفاشر تُمنح حميدتي ورقة ضغط قوية في أي مفاوضات أو مبادرات سلام، لأن التفاوض عادة يكون من موقع قوة ميدانية. ستدفع الأطراف الدولية إلى التعامل مع الدعم السريع كـ"سلطة أمر واقع" في غرب السودان.
تهديد وحدة السودان عمليًا: سيطرة الدعم السريع على كامل دارفور قد تفتح الباب أمام واقع انفصالي أو شبه مستقل في الإقليم، خصوصًا إذا أقام الدعم السريع إدارة مدنية أو "حكومة موازية" هناك. هذا يُضعف مركز الدولة الموحدة ويعيد إلى الأذهان سيناريوهات الانقسام أو "اللبننة" السياسية.
تأثير إنساني وأمني خطير: الفاشر كانت ملاذًا لمئات الآلاف من النازحين، وسقوطها يعني انهيار المنظومة الإنسانية هناك واحتمال وقوع انتهاكات واسعة أو نزوح جديد إلى تشاد. سياسياً، هذا يزيد الضغط الدولي على الدعم السريع، خصوصًا في ملف الجرائم والانتهاكات ضد المدنيين.
انعكاس على صورة الجيش والحكومة: سقوط الفاشر يُعد ضربة معنوية قاسية للجيش وقيادته السياسية (مجلس السيادة)، لأنه يكشف ضعف القدرة على الدفاع عن المدن الكبرى. كما أنه يُضعف الثقة الشعبية في قدرة القيادة العسكرية على استعادة السيطرة أو حسم الحرب.
سيطرة الدعم السريع على الفاشر تعني: نقطة تحوّل في الحرب نحو مرحلة جديدة — تتحول فيها دارفور إلى إقليم تحت سيطرة فعلية للدعم السريع، ويصبح الصراع بين طرفين:
جيش يسيطر على الشمال، الشرق والوسط، ودعم سريع يسيطر على الغرب والجنوب الغربي.
سياسيًا، هذا التطور يعزز احتمالات تقسيم فعلي للسلطة والمجال الجغرافي، ويفتح الباب أمام ضغوط دولية متزايدة لفرض تسوية أو "وقف إطلاق نار دائم"، خوفًا من تفكك السودان أكثر.
ردود الفعل الإقليمية والدولية المتوقعة
ردود الفعل الإقليمية والدولية المتوقعة على سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، لأن هذا التطور لا يخص السودان وحده، بل يمس التوازن الإقليمي كله في غرب وشرق أفريقيا. ستدفع الدول المجاورة للتحرك من أجل تأمين حدودها. وتبدأ القوى الكبرى تكثيف تدخلاتها لتفادي تفكك السودان، دون أن تدعم طرفًا علنًا. وستبدأ مرحلة جديدة من الوساطات المتعددة والمتنافسة بين جدة، وأديس أبابا، وجوبا، وربما إنجمينا.
أولاً: الدائرة الإقليمية المباشرة
تشاد
أكثر الدول تأثرًا، لأن حدودها مع دارفور بطول أكثر من 1300 كيلومتر أصبحت الآن مفتوحة أمام قوات الدعم السريع. حكومة نجامينا ستشعر بالقلق الشديد، خاصة أن علاقات الدعم السريع بالقبائل التشادية (الزغاوة، المسيرية، الرزيقات) معقدة ومتشابكة.
في المقابل، تشاد قد تميل إلى التعامل البراغماتي مع الأمر الواقع، فتسعى لاحتواء حميدتي لتأمين حدودها وتجنب تدفق المقاتلين واللاجئين. وهناك احتمال أن تتحول إنجمينا إلى وسيط ميداني جديد، خصوصًا بعد فشل مسارات جدة وأديس أبابا.
جنوب السودان
جوبا ستخشى من انتقال نموذج “دارفور تحت سلطة الدعم السريع” إلى مناطق حدودية مثل بحر الغزال وأعالي النيل، حيث توجد قبائل لها صلات اجتماعية مع دارفور. لكنها في الوقت نفسه قد ترى في ذلك فرصة لطرح مبادرة سلام جديدة بقيادة سلفاكير، تعيدها إلى الواجهة كوسيط إقليمي مقبول من الطرفين.
أفريقيا الوسطى
الحكومة هناك قد ترحب ضمنيًا بسيطرة الدعم السريع، لأن الأخيرة تحارب المتمردين المعادين لبانغي في بعض المناطق الحدودية. غير أن وجود قوات فاغنر (الروسية) في أفريقيا الوسطى سيجعل الموقف حساسًا، إذ أن موسكو قد تنظر إلى الدعم السريع كشريك محتمل أو خصم مستقبلي، حسب تحالفاته.
ثانيًا: الدائرة العربية
مصر
ستنظر القاهرة إلى سقوط الفاشر على أنه تراجع إضافي لنفوذ الجيش السوداني، ما يعني خسارة حليفها الطبيعي في السودان.
من الناحية الأمنية، تخشى مصر من تمدّد حالة الفوضى نحو النيل الأوسط والشمال، بما قد يهدد استقرار الحدود ويدفع موجات لجوء جديدة.
سياسيًا، قد تدفع القاهرة نحو تسوية عاجلة تحفظ وحدة السودان، لأنها ترفض فكرة قيام “إقليم غربي شبه مستقل” يخضع لميليشيا مسلحة.
السعودية والإمارات
السعودية ستحاول الحفاظ على توازنها الدبلوماسي، وقد تعيد تفعيل مسار جدة بدعوى “وقف إطلاق النار لحماية المدنيين في الفاشر”.
الإمارات ستكون تحت ضغط دولي متزايد، خصوصًا بعد الاتهامات السابقة بدعم الدعم السريع بالتمويل أو السلاح.
ستسعى لتأكيد أنها تدعم “الاستقرار والسلام” فقط، وربما تتراجع مؤقتًا عن أي ارتباط علني بالدعم السريع لتجنب الإحراج الدولي.
ثالثًا: الدائرة الدولية
الولايات المتحدة
واشنطن ستتعامل مع التطور كـ نقطة إنذار قصوى: لأن سيطرة الدعم السريع على إقليم بحجم دارفور تعني تحول النزاع إلى واقع انفصالي طويل الأمد.
قد تدفع الإدارة الأميركية نحو عقوبات أوسع على قيادات الدعم السريع، مع ضغط سياسي على الجيش للقبول بمفاوضات شاملة. وفي الوقت نفسه، الولايات المتحدة قد تسعى إلى منع توسع الحرب شرقًا، وربما تفتح قناة تواصل غير معلنة مع حميدتي لضبط سلوكه الميداني.
الاتحاد الأوروبي
سيعبّر عن قلقه من انهيار الأوضاع الإنسانية في الفاشر، وسيضغط لفتح ممرات آمنة للمدنيين. قد يربط مساعداته المستقبلية للسودان بمدى التزام الطرفين بالمعايير الإنسانية. ومن المرجح أن تتبنى بروكسل خطابًا أكثر حدة تجاه الدعم السريع بسبب سجل الانتهاكات في دارفور.
رابعًا: منظمات الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي
الأمم المتحدة (UN) ستُركّز على الجانب الإنساني، وستصدر بيانات عاجلة عن “الكارثة في الفاشر”.
مجلس الأمن قد يُعيد طرح فكرة قوة حماية دولية محدودة في دارفور، إذا تدهور الوضع الأمني أكثر.
الاتحاد الأفريقي والإيقاد سيحاولان إعادة إحياء “مسار أديس أبابا”، لكن شرعية الدعم السريع ستكون موضع جدل حاد بين الأعضاء.
السيناريوهات الرئيسية
سيناريو التمكّن والتوطين (احتمال: 45%)
الدعم السريع يثبّت وجوده إدارياً وعسكرياً في كل إقليم دارفور، يؤسس إدارة محلية، ويحوّل المدينة إلى قاعدة لوجستية وسياسية. يدعم ذلك سيطرته على كل المراكز القيادية العسكرية في ظل تراجع الجيش وحلفاءه، وغياب تدخل عسكري إقليمي مباشر.
العواقب المتوقعة:
فصل عملي لدارفور عن مركز القرار القومي (تفكك السلطة الفعلية).
موجة نزوح وتفاقم أزمة إنسانية داخل وخارج الحدود، خاصة إلى تشاد.
سيناريو توسع عسكري نحو كردفان/الوسط (احتمال: 20%)
بعد ترسيخ وجوده في دارفور، يحاول الدعم السريع التقدّم نحو مناطق مجاورة (شمال/جنوب كردفان أو محاور وسطية) لخلق ممرّات إمداد أو ضم مناطق جديدة.
يدعم ذلك نجاح عمليات تأسيس إمداد عبر الحدود، انخفاض معنويات الجيش، أو تلقي دعم لوجستي/طائرات مسيرة. تقارير سابقة تُشير إلى استخدام طائرات مسيّرة والمدفعية بكثافة حول الفاشر.
العواقب المتوقعة: توسع رقعة النزاع، مزيد من التهجير الداخلي، واستهداف طرق التجارة والزراعة في مناطق وسط السودان.
سيناريو تدويل الأزمة وضغوط دبلوماسية واسعة مع عقوبات (احتمال: 60%)
المجتمع الدولي يردّ بجدية: بيانات أممية صارمة، عقوبات على قيادات الدعم السريع، محاولات لعزلهم دبلوماسياً، وزيادة دعم الإغاثة عبر وكالات الأمم المتحدة. هذا قد لا يوقف سيطرة الأرض لكنه يحدّ من شرعية الدعم السريع.
المحفّزات: تغطية إعلامية واسعة عن انتهاكات إنسانية، بيانات من مكتب حقوق الإنسان والأمم المتحدة، ضغوط برلمانات غربية. تقارير عن آلاف الضحايا والنازحين تُسرّع هذه الاستجابة.
العواقب المتوقعة: عزل دبلوماسي، تجميد أصول، صعوبة وصول تمويلات خارجية، وربما محاولات مساءلة عبر آليات دولية (مثل دعوات لمساءلة قادة عن انتهاكات).
سيناريو تصاعد إقليمي/عسكري (أسوأ الحالات) (احتمال: 25%)
التمدّد والاحتكاك يفاقمان الصراع لدرجة تدخل إقليمي محدود أو دعم مسلّح لأحد الطرفين، ما يعمّق الانقسام ويحوّل السودان إلى ساحة تنافس إقليمي.
المحفّزات: اختراقات حدودية كبيرة نحو تشاد أو محاولات التمدد شمالاً يجرّ مصر، أو تدخل قوى إقليمية لحماية مصالح قبلية/اقتصادية. تقارير تُشير إلى مخاطر انتقال نزوح عابر للحدود وتأثير ذلك على دول الجوار.
العواقب المتوقعة: زيادة عدد الدول المُنخرطة سياسياً أو عسكرياً، احتمالية اشتباكات عابرة للحدود، وتدهور إنساني أكبر مع خطر "دول فاشلة" إقليمياً.
ما الذي قد يغيّر التوازن؟
دخول فصيل مسلّح جديد أو تحالفات داخلية للجيش (قديماً أو حديثاً) يحرّك الموازين.
توسيع وصول المساعدات الإنسانية عبر ممرّات آمنة قد يخفف الضغط على المدنيين ويغير شرعية السيطرة الميدانية.
عقوبات دولية قوية أو عمليات قضائية (ICC/قوائم تجميد) قد تضع قيادات الدعم السريع في مواجهة قيود مالية ودبلوماسية.
تدخّل إقليمي مباشر (سياسي/عسكري) من مصر أو تشاد أو حتى وساطات جديدة من جوبا/أديس قد يعيد تشكيل المسار.


