ودعت أوراقي وكتبي وكانت آخر نظرة لي
د. أسامة النور
حينما اتخذت قرار مغادرة المنزل في الخرطوم بحري لم أجد إلا رقم تلفون مسجل منقول من صفحة صديق كنت قد سجلته في المفكرة. قبلها بقليل أصوات انفجارات وضرب نار في الشارع على بعد مئة متر من مكاني المفضل في الصالون.
خرجت للشارع وجدته خاويا وأصوات الأسلحة من كل الأنواع دوشكا ورباعي وكلاش ليست بعيدة. تحدثت مع جارنا ورفيقي لجلب المياه حينما تسكت اصوات البنادق.
- في شنو يا أحمد ..
- ياخي الضرب قبل شوية قرب باب المنزل وعمود النور وقرب البقالة وخلف البيت والآن هربوا، لكن الغريب من يضرب من ولا أحد مصاب سوى فوران الرصاص على الطريق.
- الله يستر علي الناس.
هنا اتخذت القرار وبلا تردد واتصلت بالرقم المجهول صاحب العربة بين مصدق ومكذب أن تلفونه يرن أو يرد. لكن بعد قليل رد واتفقنا بعد أن سجل العنوان. وقال لي أنا لست بعيداً، حوالي عشرين دقيقة أو تلاتين حسب حدة الاشتباكات.
أبلغت من معي وكأنهم كانوا مستعدين وجاهزين للقرار.
كان أول ما اهتممت به الأوراق الثبوتية، الهوية الجوازات والرقم الوطني، ونفس الشئ سارة زوجتي وملابس قليلة جدا وشهاداتها. ذهبت إلى الصالون وجد السيرة الذاتية ومفكرتين، وفي تربيزة أخرى كتيب حزب الأمان ومصحف وكتب كنت أقرأ فيها، وقربها في وعاء عددتهم ٦ أقلام والبايب الكدوس ومغلف المونيا للسيجار كوبي كان هدية، وقلامة أظافر وسبحة وعلاقة مفاتيح وبعض الفكة الحديد ابو جنيه قطعتين تذكار وضعتهم في الوعاء وقصديرة سجاير رميتها أظن مع التوتر بالقرب من الكرسي. الناحية الأخرى كرتونة أوراق امتحانات قديمة للرياضيات وورق عمل work sheets تابع لسارة كرتووونة عدة الشغل وكتب ال اي جي رياضيات وعلوم Science & math قلت في نفسي الله كريم.
خارجا من الصالون وانا ارد علي تلفون السائق نظرت لكل الأشياء وقلت أفوض أمري إلى الله، إن الله بصير بالعباد. نظرة حزينة لورقي وكتبي وبعضها مسودات أعمل عليها وكتب كنت أود إعادة قراءتها في بقية رمضان واثناء الحرب والكبسيبة، لكن الله غالب والحمد الله. حقيقي ودعت أوراقي وكتبي وكانت آخر نظرة لي وبعدها اطمأنيت لكتيب سر الاسرار للأستاذ الشيخ الطيب ود البشير وفيه نص حزب الأمان وقلت الحمد لله.
خرجت من الصالون والحزن لا يوصف ولكن ثقتي في ربنا ومقاديره وتصريفه لا حدود لها. ذهبت لسارة والبقية ووجدتهم مستعدين ومنها الي العربه الهايس التي أقلتنا لمكان آمن اخر بالمعمورة.
كانت بداية الرحلة ارتكازين للجيش قبل الشارع الرئيسي بينها عشرة أمتار. بعدها لم نصادف ارتكازات للجيش لحين وصولنا للمعمورة وخروجنا من المعمورة حتي مخرج كبري الحلفايا ناحية امدرمان.
