16/06/2023

مواطنو غرب دارفور.. نار البقاء ورمضاء اللجوء

تقرير إخباري - مواطنون
كالمستجير من الرمضاء بالنار هذه المقولة السائرة بين العرب من تراث قديم زمانهم وصارت مثلاً يضرب في الشخص الذي يتخذ بديلاً لأمر يظنه أهون عليه من الأول.

مواطنو غرب دارفور وأهالي مدينة الجنينة خاصة عكسوا أصل هذا المثل بفرارهم من ديارهم ومساكنهم من نيران ذوى القربى في وطنهم عابرين الحدود إلى دولة تشاد وهي الأقرب إليهم طلباً للسلامة والأمن، وهم يأملون أن يجدوا المأوى والغذاء والدواء بعد أن تقطعت بهم السبل في وطنهم، لكنهم ربما وجدوها رمضاء.

كان لابد لنيران الحرب التي اشتعلت شرارتها في الخرطوم بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع أن تصل ألسنتها إلى أقصى دارفور، حيث كانت البذرة الأولى لقوات الدعم السريع التي أنشأها نظام الإسلاميين بقيادة عمر البشير وأشرف عليها الجيش السوداني لمحاربة الحركات المسلحة المعارضة للنظام آنذاك.

بعد مضي أسبوع واحد من إندلاع القتال في وسط الخرطوم وانتشاره في مدن العاصمة الخرطوم وأمدرمان والخرطوم بحري، ومنذ 23 أبريل الماضي أحكمت المليشيات المدعومة من قوات الدعم السريع حصارها على عدد من مدن دارفور، وكانت الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور هي الأكثر تأثراً من القتال الذي تحول من صراع بين قوتين عسكريتين، هما الجيش والدعم السريع، ليتخذ طابعاً ذا أبعاد عرقية لطالما كانت جذوتها متقدة تحت رماد المصالحات القبلية الشكلية.

الجنينة تحت الجحيم
واجه مواطنو الجنينة وضعاً كارثياً بسبب القتال الدائر في المدينة، وعاشوا أياماً عصيبة في ظل إنعدام كامل للخدمات الصحية والإنسانية وانقطاع الاتصالات.

وسجلت إحصائيات أولية للضحايا القتلى وسط المدنيين بـ 1100 قتيل، فيما قارب عدد الجرحى والمصابين الـ 3000 مواطن، وتعرض نصف أحياء المدينة للدمار شبه الكامل.

أضطر هذا الوضع المواطنين للفرار بجلدهم إلى خارجها، وكانت المنطقة الأقرب والأكثر أماناً هي اجتيازهم الحدود إلى داخل الجارة تشاد. وفي مشهد مؤثر، كشف فيديو تناولته مواقع التواصل الاجتماعي خروج جماعي للنساء والأطفال وهم لا يلوون على شيء بعد أن ذاقوا الأمرين أثناء بقاءهم تحت نيران المتقاتلين.

الوضع في الجنينة أثار مخاوف داخلية ودولية من انزلاق الحرب إلى حرب أهلية يتم فيها الاستهداف على أساس العرق والقبيلة، وعبرت بعثة الأمم المتحدة للسودان يونيتامس عن قلقها لما يجري في دارفور بصفة عامة.

وكشف مشروع بيانات الأحداث وموقع النزاع المسلح (ACLED) في تقريره عن شهر مايو الماضي، عن زيادة العنف في المدينة بعد تجدد الاشتباكات الطائفية إلى أكثر من أربعة أضعاف عن العام السابق.

ووثّق مرصد الصراع في السودان، الذي أطلقته الولايات المتحدة الأمريكية، لأجزاء واسعة ومستوطنات كاملة في ولايات دارفور. وقال متحدث باسم الخارجية الأمريكة إن الفظائع التي تحدث في غرب دارفور ومناطق أخرى هي تذكير ينذر بالسوء بالأحداث المروعة التي دفعت الولايات المتحدة أن تقرر في عام 2004 أن الإبادة الجماعية قد أرتكبت في دارفور.

اغتيال الوالي
بلغت قمة الأحداث المأساوية في مدينة الجنينة بعد أن إنتشر فيديو لأفراد من الدعم السريع يعتقلون والي ولاية غرب دارفور، خميس عبد الله أبكر، ويتم اغتياله بطريقة بشعة بعد ذلك. هذا الحادث اعاد دارفور إلى بؤرة دائرة الضوء وبقوة، حيث أدان الحادثة كثير من القوى السياسية والمجتمعية في الداخل، إلى جانب إدانة المبعوث الأممي للسودان فولكر بيرتس الذي أشار إلى ضلوع الدعم السريع في الحادثة، كما أدانته الولايات المتحدة الأمريكية. كما أدان المفوض السامي لحقوق الإنسان مقتل والي غرب دارفور، وقال في بيان صادر الجمعة 16 يونيو، إن الجنينة تعرضت لهجمات واسعة النطاق ومتكررة من قبل الدعم السريع والمتحالفين معها.

رمضاء اللجوء
ليس هناك ما يماثل الوطن، ولكن ربما كان هذا حال لسان الكثيرين الذي نزحوا شمالاً وشرقاً وغرباً وجنوباً ومن عبروا الحدود إلى دول الجوار. لكن ما رسمته منظمة أطباء بلا حدود لأوضاع اللاجئين الذي غادروا غرب دارفور إلى دولة تشاد، يبعث على التشاؤم وإن كان لا يماثل جحيم نيران البقاء في الوطن. فقد حذرت المنظمة من أن آلاف الأشخاص الذين احتشدوا على الحدود الشرقية لتشاد ـ بحثًا عن ملجأ من النزاع المحتدم في السودان المجاور ـ معرضون لخطر فقدان إمكانية الوصول إلى المساعدات الإنسانية والطبية الحيوية مع اقتراب موسم الأمطار.

وتمثلت المخاوف التي توقعتها المنظمة في عزل اللاجئين السودانيين والمجتمعات المضيفة عند هطول الأمطار في هذا الموسم، مما يعني انقطاع الطرق الموصلة إلى أماكن إقامتهم وهو ما سيترتب عليه عواقب إنسانية خطيرة.

كما أبدت المنظمة مخاوفها بشأن زيادة مخاطر الأمراض المنقولة عن طريق المياه والأمراض المُعدية في ظل الظروف الحالية التي تتسم بقلة توفُّر المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي.

وقالت رئيسة بعثة منظمة أطباء بلا حدود في تشاد، أودري فان دير شوت، ان العديد من اللاجئين يرغبون في الابتعاد عن المنطقة الحدودية، لكن لا توجد مساحة كافية لهم للانتقال. وفي الوقت نفسه، هناك آخرون يرغبون في البقاء حيث هم، بالإضافة إلى استمرار وصول الناس من السودان.

وأضافت نخشى أنه مع بدء موسم الأمطار المرتقب، سيجد الناس في هذه المنطقة الحدودية أنفسهم محاصرين ومنسيين وغير قادرين الوصول إلى الخدمات الحيوية المنقذة للحياة أو معلومات عن أماكن الحصول عليها.

وحذرت المنظمة الدولية من أن الناس قد يجدوا أنفسهم أمام خيارات لا يمكن تصورها، كالبقاء بدون أي مساعدة أو العودة إلى السودان حيث سيتعرضون لمزيد من العنف والأذى الجسدي والنفسي. ويجب أن يولى العمل الإنساني الجاري الأولوية لوضع هؤلاء الناس واحتياجاتهم، إذ أنّهم قد يصبحون في نهاية المطاف عالقين على الحدود”.

ويصف الناجون تجاربهم في حالة من الصدمة، بعد أن تعرضوا لمستويات شديدة من العنف، بما في ذلك حوادث العنف الجنسي والجنساني المبلغ عنها والتعذيب والاختطاف والتجنيد القسري والنهب والابتزاز، فضلًا عن تدمير الممتلكات.

كما احتُجز الفارون من النزاع في السودان تحت الإكراه وأجبروا على دفع المال لكي يتمكنوا من دخول تشاد، وإلا فإن ممتلكاتهم ستتعرض للنهب، أو أنّهم قد يواجهون تهديدات بالقتل من قبل المسلحين.

معرض الصور