11/07/2023

من حكايات الأصدقاء (١)

عثمان فضل الله

لن نتركها تهزمنا
لن تقتل الروح فينا
ياعزيزي .. نعم خرجنا من هناك كما تعلم. لم نتعرض لتهديد بالمعنى.

خرجنا منذ انطلاقة الرصاصة الأولى. أكره رائحة البارود وأبغض السلاح. حتى الكاكي لدي منه حساسية فأنا لا أستطيع أن أعيش بغير أن أضحك وهذه الثلاثية تسلبني اعز ما املك وهو الضحك. لا زلت أصحو صباحاً. أصلي الصبح وأقرأ وردي القرآني. فقط عدلت من قراءته جهراً إلى سر لأن ليس في البيت حيث أقيم متسع لصوتي الأجش.

هنا يا عثمان نعيش ٤ أسر في غرفتين وحوشين وحمام بلدي وشجرة نيم ظليلة ومرحابة. نعم أنا وأخي وزوج أختى الذي استضافنا وصديقه. لن أخبرك بكم عددنا خوفا من العين. هل تصدق ياصديقي اللدود إن آكبر أكذوبة اكتشفتها هي ضيق المنزل. علمتني هذه التجربة أن الضيق هو ضيق النفوس لا الدور.

إن كان بالإمكان شكر الحرب لشكرتها لأنها ألفت بين قلوب الناس. قربت الأهل من بعضهم وصنعت أهلاً (جداد لنج). قصة حب اراقبها بشغف تنشأ بين هيفاء بنتي الكبيرة وخالد ابن عمها المدرس في مدارس بلدتنا الجديدة، استعجلها بالدعوات لتحتدم وتجبرهم على إعلانها لنقيم عرساً في أيام الحرب. أتخيل لو تقدم خالد لإبنتي الدلوعة قبل الحرب كانت سترفضه حتما ولكن الآن اختلف الوضع.

اجذب عودي نهاراً لأغني للجميع ينضم الينا الجيران. نغني ونجرب أصوات جديدة وألحان وما يدهشني انهم يطربون لصوتي. وعندما تتعب حناجرنا من الغناء نذهب الي الموبايلات لنستمع الي موسيقى غرب أفريقيا السنغال وتشاد ونيجيريا حتى مالي واخرى من وسطها، الكينيون لهم مغنين مبدعين. ونرخي أعصابنا عندما يرتفع صوت فيقر تيغاسو. تركنا استير وتيدي افرو وتعلقنا بصوت فيقر أنصحك بالاستماع إليها. وهذا رد جميل لأنك عرّفتني بفاتيما ذلك الصوت الآتي من غرب أفريقيا فأرده إليك بصوت من شرقها.

الحياة جميلة هنا مكنتنا من مقاومة وجه الحرب الكالح.
اخيراً، أمنحك سبقاً صحافياً بأني أفكر جدياً بالاستقرار في قريتي التي فارقتها صبياً وعدتها كهلاً. لن أعود لخرطومكم عقاباً لها فقد غدرت بنا أم إنهم غدروا بها. لم أعد اهتم بمن هو الغادر والمغدور فينا.

محبتي

معرض الصور