21/07/2023

(الأكاذيب).. معارك مُوازية لحرب الخرطوم

الخرطوم ـ مواطنون

منذ اندلاع حرب الخرطوم؛ بين الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع، في منتصف أبريل المنصرم، مازالت المعلومات العسكرية والعملياتية غير الدقيقة؛ واحدة من عناصر الحرب النفسية التي يواجه بها كلا الطرفين الآخر. حيث سيطرت الميديا الجديدة، ومواقع التواصل الاجتماعي، على الفضاء الاعلامي للحرب، وفي ظل التداول الكثيف للأخبار والمعلومات المتضاربة، والكاذبة، ضاعت معها منصات الإعلام المهني، وبات المحللون العسكريون في حيرة من أمرهم، فتوفر المعلومة الصحيحة والخبر الصادق، يساعد في تقديم رؤية تحليلية للأوضاع على الأرض.

وخلال الاسبوع الأول من الحرب، ومع غياب المعلومات الحقيقية، وتدفق الميديا بالاخبار الكاذبة والمضللة، تباينت آراء ووجهات النظر لما يجري على الأرض.

في لقاء له مع قناة الجزبرة القطرية، في الأيام الأولى للحرب، قال المحلل العسكري الأردني، اللواء فائز الدويري، بأن تضارب البيانات، وعدم توفر المعلومات الصادقة على الأرض، يجعل من المستحيل تقديم وصفة تحليلية للمعارك العسكرية، مشيرا إلى أن الطرفين يبالغ في تقديم معلومات متضاربة، يعزز بها موقفه العسكري.

ووصف  المحلل السياسي خالد محمد نور مايحدث بحرب الأكاذيب، بداية بانحيازاتها الرئيسية الاثنية الايدلوجية، والتي تم تحويرها الي وطنية، مشيرا الي أن ما يؤكد فرضيته، بأنها حرب مبنية على الكذب الصريح، وعندما تسمع طرف يريد من خلال الحرب تحقيق الدديمقراطية وطرف آخر يريد حماية الوطن والمحافظة على المؤسسات الدستورية، مرورا بصفحات السوشال ميديا المزيفة، وفيديوهات النقل المباشر الكثيرة التي تروج الانتصارات الوهمية لكل طرف، في ظل انعدام البيانات الصحيحة من منصات رسمية تمثل كل طرف علي حداه.

فعلي سبيل المثال، فإن جميع الاخبار التي تتعلق بانتصارات الجيش، وتقدمه، لم تصدر من صفحة القوات المسلحة السودانية، كصفحة موثوقة، وتنشر الحقيقة كما هي، بحسب ملاحظات اوردها العديد من الناشطين، وأن جميع الأخبار التي تتحدث عن مقتل عناصر الدعم السريع، لم تصدر من القوات المسلحة السودانية، ومعظمها ليست صحيحة، ويتبين أنها أكاذيب في يوم نشرها أو اليوم التالي له.

وما ينطبق على اعلام الجيش، ينطبق أيضا على اعلام قوات الدعم السريع، بغية الترويج لانتصارات كاذبة، من شأنها رفع الروح المعنوية.

ويرى محمد نور بأن الأكثر تدليسا ما تمارسه بعض الاقلام المعروفة، في عالمي الصحافة والميديا الجديدة، ومغالطة الحقيقة؛ ظنا منهم بأن الكذب مفتاح للنصر، فهم بكذبهم هذا اول اسباب الهزيمة للطرف الذي يودون انتصاره.

وكشف محللون واعلامبون عن إعتماد أطراف الحرب على صفحات مزيفة تمتلك متابعات كبيرة من جمهور مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى صحفيين إعلاميين، بلا اخلاق او مهنية، وصاروا من اول يوم للحرب يبثون الاخبار والتحليلات الكاذبة، ويدعمون الدعاية والترويج المضلل. ويرى الاعلاميون بأن ما صرفه الطرفين على الدعاية الحربية لا يقل كثيرا عن الصرف الحربي اللوجستي للمعارك.

وفي السياق ذاته، حذر نقيب الصحافيين السودانيين مِن ما أسماه بالحرب الموازية على مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرا الي انها ستنقل الحرب المشتعلة الآن الي مربع الحرب الأهلية.

وأضاف أبو إدريس في جلسة نقاشٍ نظمها تجمع الاعلاميين بولاية القضارف بشرق السودان مطلع الاسبوع الماضي إن الجهات الداعمة للحرب بين القوات المسلحة، والدعم السريع، لديها غرف إعلامية علي مواقع التواصل الاجتماعي تغذي خطاب الكراهية، التضليل، وازدراء كيانات اجتماعية محددة؛ بدأت عملها قبل اندلاع الحرب.

وأعرب عن تخوفه من أن يؤدي النشاط المستمر لهذه الغرف إلي توسيع رقعة الحرب وتحولها إلي حرب أهلية، لأنّها لا تراعي التركيبة الاجتماعية السودانية الهشة،منبها إلى أن الحرب الحالية اتسمت بخروقات متعمدة وغير متعمدة، لمجموع القوانين، والمواثيق الوطنية والدولية، التي تضبط عمليات التغطية الاعلامية خلال الحروب بشكل غير مسبوق.

وتأسف على تصوير الأسري واستجوابهم، واعتبره خرقا واضحا للقانون الإنساني الدولي الذي يمنع هذا الإجراء، هذا بجانب تصوير القتلى الذي تتفق المواثيق الصحفية في كل العالم والأديان علي تحريمه، مشيرا في هذا الصدد للتبشيع الممنهجة، وعدم احترام الحساسيات بين الإثنيات في دارفور، الذي أظهره فيديو مقتلوالي غرب دارفور الراحل.

وأكد أبو إدريس أن الغرف الإعلامية لإنتاج المحتوي الذي يدعم خطا سياسيا محددا ورثة إنقاذية بامتياز تمارس بأسلوب أجهزة المخابرات في إشاعة الفوضى.

واستعرض نقيب الصحفيين السودانيين عددا من المؤشرات تثبت أن الحرب علي مواقع التواصل الاجتماعي تدار بتنظيم وخبث، من بينها إغلاق فيسبوك لـ 50.000 ألف حساب ثبتت تبعيتها لقوات الدعم السريع وتدار خارجيا، 361.000 ألف حساب نشط في السودان تتفاعل مع الحرب ويجمع بينها التشابه في اللغة والصياغة.

ولفت نقيب الصحافيين الي الإقبال الكبير علي النشاط في تويتر بعد اندلاع الحرب كاشفا عن أن اسم السودان ذكر أكثر من مليون مرة بعد أحداث بحري الأخيرة، مضيفا أنه عند ربط هذه المؤشرات بتقرير حكومي يؤكد أن 70% من السودانيين يحملون هواتف ذكية، فإنّ المحصلة تكون أننا نشهد حربا علي مواقع التواصل الاجتماعي، لن تنتهي بنهاية المواجهات الميدانية، الشيء الذي يتطلب التأسيس لخطاب عقلاني يجابه خطاب الحرب.

معرض الصور