27/07/2023

الوطن ينزف: درء خطاب الكراهية.. التسامي فوق الجراحات

مريم أبشر
يعيش السودان في وقته الراهن فترة تعد هي الأسوأ في تاريخه المعاصر، منذ أن نال استقلاله في منتصف خمسينيات القرن الماضي، وهي فترة تهدد بقائه كدولة ذات حدود مميزة وموقع جغرافي يعد مهما في الخارطة العالمية، نظرا لتموضع السودان الجيواستراتجي المهم في محيطة الإقليمي.

ونظرا لهذه الحرب المستعرة فقد بات وجود السودان كدولة في موضع الخطر، وهي الحرب التي وصفها من اشعلوها بأنها حرب عبثية وأن المنتصر فيها خاسر.

هذا الواقع يحتم على جميع المكونات السياسية والاجتماعية والقبلية استشعار الخطر والتسامي فوق الجراحات ونبذ خطاب الكراهية والسعي لانتشال البلد من المستنقع الذي وصل إليه الحال جراء المطامع الضيقة، وتغليب صوت الأنا والعمل بكل السبل لإبعاد الآخر المختلف؛ أذ دفع الوطن نتيجة كل ذلك عبر تشريد أبنائه بين نازحين داخل ربوعه ولاجئين بدول الإقليم، فضلا عن الآلاف من القتلى والجرحى والمفقودين، بجانب فقدان البلد لمقوماته الأساسية وتوقف عجلة الحياة بشكل شبه كامل.

مائة يوم ولكن

الحرب التي اشتعل أوارها في الخامس عشر من أبريل الماضى (توقع مشعلوها أنها ستكون لساعات فقط) قد توفرت لها كافة الحيثيات من انسداد للأفق السياسى وتعطل للحياة بشكل عام مع استشراء خطاب الكراهية وإقصاء الآخر المختلف.

الآن وبعد أن تجاوزت الحرب المائة يوم، ولم يحقق أيا من الطرفين نصرا يرحج كفته، بل ظلت كرا وفرا داخل المدن ووسط الأحياء وبين المواطنيين، وكل طرف يعلن انتصاره على الآخر، في وقت دفع ويدفع المواطن ثمن ذلك باهظا في الأرواح والممتلكات وتشردا.

برغم ذلك، ما تزال الأصوات الداعية لاستمرار الحرب تواصل نفخ كيرها، رغم الدمار وموت الشعب قتلا وتشردا ونزوحا ولجوءا، هربا من نيران الحرب، فيما يتضور من بقي داخل المناطق الملتهبة جوعا، ويئن مرضا في ظل انعدام الدواء وكل مقومات الحياة، فضلا عن الفقر المدقع الذي يعم البلاد، ولا يملك المواطن قوت يومه ولا حتى وجبة تسد رمقه، ورواتب لم تدفعها الدولة منذ أربعة شهور. وتوقفت الحياة بشكل شبه كامل.

الشعب المعلم

الواقع المأساوي الذي يعيشه السودان هو في حد ذاته يشكل ضرورة قوية للحفاظ على تماسك الشعب السوداني وتقوية لحمته.

الكاتب والمحلل عبدالله آدم خاطر لديه رؤية ايجابية مفادها أن الحرب الدائرة الآن كشفت ومن خلال استقبال واحتضان الولايات للفارين إليها من الخرطوم أن كافة الانتماءات الضيقة قد تلاشت، وأن كل السودانيين في كل بقاعه وولياته لهم من الحقوق مثل ما لدى قاطني تلك الولايات؛ فقد فتحوا لهم البيوت وتقاسموا معهم اللقمة. ويرى ان من يشعلون الآن حرب الكراهية والفتنة، سيفشلون وسيكون جزء من تاريخ هذا الوطن العظيم، كما فشل من قبلهم دعاة فرق تسد وخطاب الكراهية على مر التاريخ.

خطاب الكراهية تقف من ورائه وتتسبب فيه جملة من العوامل والأسباب بصفة عامة، وأخرى خاصة بالحالة السودانية على وجه الخصوص.

أما من ناحية عامة فإن خطاب الكراهية ينجم بطبيعة الحال من الصراع على السلطة والقيادة بين الفئات والكيانات السياسية والاجتماعية والإثنية والدينية والطائفية والمذهبية المتباينة، ويشيرون إلى أنه اختلفت صور التعبير عن ذلك الخطاب علوا وانخفاضا، وحدة واعتدالا.

وكلما كان المجتمع المعني مجتمعا عريقا ومتمرسا في التجربة والممارسة الديموقراطية، وخصوصا قد حسم قضاياه الكبرى المتمثلة في انجاز الاندماج الوطني، والهوية الوطنية، ومقتضيات أسس ومقومات دولة القانون، بما في ذلك وجود صحافة حرة ونزيهة ومهنية وفاعلة، ووجود نخبة مثقفة مدركة وواعية ومتجردة لخدمة المصالح الوطنية فقط للدولة المعنية، خفت حدة خطاب الكراهية أو تلاشت تماما، والعكس صحيح.

أما بالنسبة للسودان، ففي ظل استشراء الفقر والجهل والأمية إلى حد كبير بين عامة الجماهير، والتعصب والأنانية وضيق الصدر بين النخب والمتعلمين، والميل إلى مجاراة المزاج الشعبوي، فضلا عن طبيعة الشخصية السودانية التي تميل إلى حدة الطبع والانفعال الزائد والشجار، فقد تجمعت كل ذلك الخصائص والعوامل لكي تذكي من أوار خطاب الكراهية وتشجع عليه، وقد تجلى ذلك بصفة خاصة بين منتسبي التيارات الفكرية والسياسية المتطرفة الحديثة يمينا ويسارا، بالمقارنة بالأحزاب التقليدية التي كانت سابقة لها في الهيمنة على الساحة السياسية منذ ما قبل الاستقلال وحتى أواخر ستينيات القرن الماضي؛ حيث وصف منتسبوها بأنهم اكثر تسامحا، بل يقال إنه كانت هنالك صداقات حميمة بين قيادييها، عملا بالشعار؛ إن اختلاف الآراء لا يفسد للود قضية.

معرض الصور