مستجدات الحرب العبثية على عتبة شهرها الخامس
عبدالله رزق أبو سيمازه
بعد يومين، تكمل الحرب العبثية اللعينة في الخرطوم شهرها الرابع، وتشرف على الخامس، دون حسم عسكري، ودون أفق ينفتح لسلام وشيك متفاوض عليه.
تخطو الحرب نحو شهرها الخامس وهي أكثر شراسة، كتعبير عن قوة إرادة الاقتتال لدى طرفيها، بموازاة المساعي متعددة الأطراف المبذولة لإيقافها، رغم أنها قد فقدت زخمها وقوة دفعها الأولى، وانتهت، منذ حين، عند توازن مستقر للقوى.
بعد عشر هدن، لازالت الأطراف أبعد من التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار طويل المدى. ولازال تعثر جهود وقف الحرب وبطؤها، يفسحان المجال للتصعيد لغرض الحسم العسكري، أو لتعزيز الموقف التفاوضي لأي من الطرفين، على الأقل، ويضاعف معاناة المدنيين.
لعل أهم مظاهر الحرب، مطلع شهرها الخامس، هو حملات التمشيط التي ابتدرتها القوات المسلحة، ويلعب فيها طيران الجيش والمدفعية دورا أساسيا، كهجوم تكتيكي في إطار موقف دفاع استراتيجي (حسب ماو تسي تونغ)، على مراكز وتجمعات قوات الدعم السريع، التي تتحصن، هي الأخرى بالمناطق السكنية، وما قد يترتب على ذلك من الحاق أضرار بالمدنيين وبالأعيان المدنية.
في المقابل، ينصب الجهد الرئيس لقوات الدعم السريع على مهاجمة مواقع القوات المسلحة في الخرطوم بمناطق (الشجرة والمهندسين ووادي سيدنا) والقيادة العامة، بشكل خاص.
ويعد تحول المناطق السكنية، رسميا، إلى مناطق عمليات، نقطة تحول في مجرى الحرب. ففي هذا الإطار، تم الطلب من سكان بعض الأحياء، من قبل طرفي الحرب، إخلاءها.
ومن شأن استمرار العمليات العسكرية، أن يؤدي، على المدى البعيد، إلى إفراغ كل العاصمة التي ستؤول إلى مسرح عمليات كبير، من السكان، بتهجير ما تبقى منهم (مليونا مشروع نازح وشهيد)، حسب منظمة الهجرة الدولية، فإن نسبة النازحين من سكان العاصمة، يقترب من ثلاثة أرباع إجمالي النازحين في البلاد، بما يجعل من النزوح ظاهرة تخص العاصمة وقومية، في ذات الوقت.
وفي ظل أوضاع سيئة يعيشها النازحون، في كل مكان، تجسد حالة النزوح مأساة إنسانية، هي الوجه الآخر للحرب، وتتفاقمها في وقت تعجز فيه الدولة بجانب بعض مؤسسات القطاع الخاص، عن توفير مرتبات العاملين، مما يجعل مئات الآلاف من الأسر، التي تعتمد في حياتها على مرتب عائلها الشهري، عاجزة عن توفير ما تحتاجه من غذاء أو دواء.
ومن شأن الموجات الجديدة، من النزوح، التي سيطلقها التصعيد الجاري للعمليات العسكرية، أن تؤدي لتعميق تلك المأساة، مع تخطي مناطق الإيواء لطاقاتها الاستيعابية، وسط شح المساعدات الإنسانية.
ويعد وضوح علاقة الاسلاميين بالحرب، كطرف من أطرافها، وما يضيفه من تعقيدات على طبيعة النزاع، (الذي لم يعد مجرد تجريدة لتأديب مليشيا متمردة لردها للصراط المستقيم)، أهم معطى في الراهن السياسي، وهو أمر له مغزاه بالنسبة لمساعي التسوية الهادفة لإنهائها، والتي تستثني، حتى الآن، وفق تصوراتها الرائجة، أنصار حزب (المؤتمر الوطني) المحلول.
وبعد أسبوعين من توقف مفاوضات جدة، فإنه ليس من بين الظواهر الجديدة في سياق تطور الحرب، ما يشي بإنتهائها في المدى المنظور. ربما الأرجح أن تلد حروبا أخرى نوعية، بأجندة مختلفة، (في جنوبي كردفان والنيل الأزرق وغرب دارفور)، على وقع الاستنفار القبلي الجاري، مع تصاعد مقاومة الإسلاميين لأي مساعي لإيقاف الحرب، مالم يتم استيعابهم في أي تسوية سياسية للنزاع.